وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد...
أحبابنا الكرام، من قراء ومهتمين ومتابعين، حياكم الله جميعا بتحية الإسلام المباركة الطيبة وبعد..
كما وعدناكم في الحصة الماضية، نعود بكم للحصص التي تتعلق بالجوانب الخفية من حياة الشيخ بوعمامة. وقد رأينا في حصة ماضية الإرهاصات التي رافقت مولده، ومراحل تربيته وتعليمه، والحرص الشديد الذي كانت توليه له والدته السيدة فاطمة بنت الحجاج. واليوم نتقدم بكم خطوات أخرى في ما يتعلق بمرحلة شبابه...
قلنا أن الولد كانت تبدو عليه علامات النبوغ، ونه أخذ بعناية فائقة، وأنه تربى في بيت علمي تربوي سلوكي جد محافظ. فهو ينتمي إلى سلالة عريقة في الولاية والصلاح، ترتفع إلى الخليفة الأول، الصحابي الجليل سيدنا أبي بكر الصديق عن طريق ابنه البكر الصحابي الجليل سيدنا عبد الرحمان شقيق أمنا عائشة رضي الله عنها. وتمر هذه السلسلة الذهبية عبر قمم عالية في الولاية والصلاح، من أبرزها سيدي سليمان بن أبي سماحة،
العالم الجليل الذي مر بالتدريس في عدد من الحاضرات العلمية آنذاك، خصوصا القرويين ومراكش وأخيرا فجيج التي قصى بها سبع سنوات في التدريس والخطابة في الجامع العتيق الذي لا زال قائما، به زاوية تسمى لحد الآن بزاوية سيدي سليمان. ولهذا الرجل تاريخ عظيم مدون، وكان متخصصا في علوم الحديث خصوصا في صحيح البخاري. ويروى أنه كان أول المذابيح في قصة الاختبار الشهيرة التي قام بها الشيخ الراشدي الملياني...
وظهر بعد هذا العلم الرباني حفيده المسمى عبد القادر بن محمد بن سليمان الملقب: سيدي الشيخ، هذا الذي تنتمي إليه جميع فصائل القبيلة الكبيرة لأولاد سيدي الشيخ. هذا القطب الرباني غني عن كل تعريف، فهو مؤسس الطريقة الشيخية الشاذلية المنتشرة في ربوع الدنيا، وهو صاحب القصيدة التائية الشهيرة بالياقوتة التي ضمنها أصول وقواعد طريقته الغراء. وهو الذي لا زالت آثاره قائمة في أنحاء المغرب العربي بكامله،
من طنجة إلى الرباط إلى فاس إلى المنطقة الشرقية للمغرب أين لا زالت خلواته وبقايا زواياه قائمة، وبالخصوص في مدينة فجيج أين قضى حوالي العقدين من حياته، وأين يوجد مقام له بالعباد، على جانب خلوة وبعض الآثار قرب ضريح ابنه سيدي بنعيسى. أما بالقطر الجزائري الشقيق، فإن آثاره لا تغيب عن أي مكان، وبالأخص بالمنطقة الجنوبية أين كانت تنقلاته وترحاله، ومن أين كان يقوم بغاراته الجهادية على الشواطئ المتوسطية ضد الاستعمار الإسباني، وأين يوجد ضريحه الطاهر...
هذا الرجل خلف ثمانية عشر ابنا كان من أصغرهم ابن يسمى سيدي التاج، هذا الأخير ينحدر منه الشيخ بوعمامة صاحب الترجمة. فهو إذن:
ـ محمد (لقبه بوعمامة) بن العربي بن الشيخ بن الحرمة بن محمد بن براهيم بن التاج بن عبد القدر بن محمد بن سليمان بن أبي سماحة صعدا إلى سيدنا أبي بكر الصديق...
ـ والدته كما سبقت الإشارة هي السيدة فاطمة بنت الحجاج
ـ ولد وترعرع بحاضرة فجيج، وبها تلقى تعليمه الأولي، وبها تلقى أبجديات التصوف قبل أن يغوص في أعماقه...
وقبل أن نتطرق لشيوخه في التربية والتلقين وكيف تم له الأخذ عنهم، نذكر حدثا هاما طرأ له في شبابه، كان بداية المشوار. ذلك أنه لما تجاوز العاشرة من عمره، بدأ يهوى صيد الحوت في الضايات والأنهار التي كانت بقرب فجيج، وكان من أحب تلك الأماكن إليه، أحد الأنهار كان يتردد عليه كثيرا. وذات يوم، بينما هو على ضفة ذلك النهر ينتظر غنيمة الصنارة، فإذا به يغشاه حال غريب،
لم يتمالك نفسه معه. وفي اليوم الموالي عاد إليه نفس الحال في نفس المكان. وتخيل له صوت يناديه لتبهه إلى ضرورة الاستعداد للمرحلة القادمة، باعتباره من طينة الرجال الخواص تنتظره مهام كبيرة، وأن عليه أن يستعد منذ اللحظة للمراحل القادة، ويخبره أنه سيكون تحت تصرفه لإنجاز المهام جنود في الخفاء وعناية ربانية خاصة..
وبعدما وقع له ما وقع، حتى كاد يغلب عليه الحال، خصص له والده جانبا معينا من السكن، وأحاطه بنفر من ثمانية رجال، أمرهم أن يلازمونه في خلوته، يؤنسونه ويذكرون الله معه ليل نهار حتى خرج من محنته...
ولما كان لهذه الجماعة المباركة الثمانية من ساكنة فجيج المجاهدة فضل السبق في خدمة الشيخ بوعمامة، حيث تعتبر أول خلية وأول مجلس للشورى في مسيرة الشيخ بوعمامة، رأينا مفيدا أن نذكر أسماءهم هنا تقديرا لهم ولخلفهم، لعل بعض من هؤلاء من يقف على اسم أحد أجداده فيفتخر به ويترحم عليه ويترحم علينا معه بهذا المناسبة. وهؤلاء الرجال الثمانية هم السدة:
1ـ الفقيه السيد بوطراد بن عبد الصادق
2ـ السيد حمو علي
3ـ السيد حمو الشيخ
4ـ السيد بوجمعة بن عبد الصادق
5ـ السيد بوعلام بن براهيم
6ـ السيد مبارك بن براهيم
7ـ السيد عاشور بن علال
8ـ مولاي سليمان
ولعل سيدي العربي والد الشيخ بوعمامة قد اختار هذا العدد بالذات تبركا بالعدد ثمانية لما له من خصائص متميزة منها:
ـ أنه عدد أبواب الجنة
ـ عدد الملائكة حملة العرش
ـ عدد ثمانية سيدي الشيخ المعروفة
وبعد هذه الحادثة، توالى عليه جذب ظاهر، كان يأتيه أحيانا قوي، دام معه لبعض الوقت، ثم ما لبث بعده أن اتخذ لنفسه خلوة خاصة انقطع فيها للعبادة لسنوات، إلى أن فتح الله عليه في خلوته، فانتقل إلى مراحل الجادة من حياته الجهادية كما سنرى إن شاء الله...
وحتى لا نثقل على الأحباب بكثرة المعلومات، كانت هذه حصة خاصة بالإشارة إلى أحد الجوانب التي كانت خفية من حياة الشيخ بوعمامة. وهو ذات الجانب الذي أشار إليه الأستاذ عبد الوهاب بن منصور في إحدى كتاباته المشبوهة وفق هواه. كما أشار إليه أيضا بعض الفرنسيين في بعض كتاباتهم، مع توظيف الحدث أسوأ توظيف رغبة منهم في بلوغ ما كانوا يريدون من تشويه صورة عدوهم اللدود...
تحياتي لجميع الأحباب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
انتظرونا في الحصص القادمة للمزيد من الحقائق الخفية والمعلنة عن هوية هذ الرجل الصالح...
أخوكم أحمد حاكمي
تاريخ النشر 28-05-2021