بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
بعض من ترجمة الولي الصالح المجاهد الشهير سيدي قدور بن حمزة، آخر زعماء مقاومة أولاد سيدي الشيخ بصحبة ابن عمه الشيخ المجاهد سيدي بوعمامة، وهو الذي لم تتمكن فرنسا من قتله، بعد أن نجحت في فعل ذلك مع أبيه سيدي حمزة وإخوته الأربعة قبله، في ظرف سبع سنوات فقط.
كانت بداية تعامل الاحتلال الفرنسي مع الأب شيخ الطريقة الشيخية سيدي حمزة ( بالصبيعات) أسد الصحراء كما وصفه أعداؤه، حيث استعملت فرنسا معه سياسة الترغيب والترهيب، فاعتقلته وحكمت عليه بسنتين سجنا، قضى منهما سبعة أشهر بوهران قبل أن يطلق سراحه، كما تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة يوم 3 جوان 1850م، ثم حاولت فرنسا بعد ذلك أن تجرب مع الزعيم سياسة الترغيب لكسب وده، فنصّبته خليفة بالصحراء سنة 1850م،
وكان ذلك أعلى منصب في الجزائر بعد منصب الحاكم العام، واستقبل هذا الأخير الجنرال “راندون” بالأغواط بتاريخ 9 فبراير 1854م، ووشحه بأعلى وسام، لكن جهود فرنسا فشلت في ترويض أسد الصحراء، فاعتقلته مرة أخرى بمدينة الجزائر، واتّهِم بخيانة فرنسا وتهديد أمنها، وجرد من كل شيء، ومات بالسم في سجنه يوم 21 أوت 1861م، ليدفن بضريح سيدي محمد بن عبد الرحمن ببلكور. بالجزائر العاصمة.
تزعم زاوية أولاد سيدي الشيخ بعد وفاة الأب، ابنه البكر سيدي بوكر الذي قتل بالسم هو الآخر بعد سنة فقط، فتحمل مسؤولية الزاوية والمقاومة أخوه الثاني سيدي سليمان (22 سنة) مفجر ثورة 1864م، وهو قاتِلُ العقيد “الكسندر بوبراتر”، ليستشهد في المعركة نفسها يوم 8 أفريل 1864م، ويخلفه أخوه الثالث سيدي محمد (20 سنة) ليستشهد يوم 22 فبراير 1865م،
بعد أن أصيب في الرأس والكتف والصدر في معركة غير متكافئة مع الفرنسيين بقيادة الجنرال ” دوليني “، وتحمل المسؤولية بعده أخوه الرابع سيدي أحمد (14 سنة)، الشاب البطل الذي أحرج جنرالات فرنسا صحبة عمه سيدي “لَعْلَى” قبل أن يُدَسَّ له السم، حيث مات في شهر أكتوبر سنة 1868م، فخلفه أخوه الخامس سيدي قدور بن حمزة.
سيدي قدور بن حمزة هو الأخ الخامس غير الشقيق لأمه السيدة مباركة بنت يعيش، تزعم قيادة المقاومة لاولاد سيدي الشيخ الشراقة والوطنية الجزائرية سنة 1868م، وكان شابا كبقية إخوته لم يتجاوز (20) سنة من العمر.
استفاد سيدي قدور بن حمزة من تجارب إخوته قبله في قيادة المقاومة، كما استفاد باستشارة وكفاءة عمه سيدي “لَعْلَى” القائد العسكري الفذ، فكان هو أول زعيم من أولاد سيدي الشيخ تحالف مع الزاوية التيجانية مؤقتا ضد الاستعمار وعملائه، كما خاض مع فرنسا معارك كبرى في الشمال وفي الصحراء، بعضها كان له، وبعضها كان عليه.
تعد معركة “ماقورة” قرب سبدو بولاية تلمسان، بتاريخ 17 أفريل 1871م، تعد من أشهر معارك سيدي قدور بن حمزة التي انتصر فيها على الجيش الفرنسي بزعامة الجنرال “دوميلويز” والمتعاونين معه، وكبد أعداءه خسائر كبيرة، وقد تغنى بعض شعراء الجزائر بذلك الانتصار.
ومن المعارك التي تم فيها الغدر بسيدي قدور، معركة “المنقوب” بالحمادة جنوب الأبيض سيدي الشيخ، حيث اسْتُغِلَّ غياب وتنقل معظم قوات سيدي قدور مع القافلة المتجهة “لقورارة” لحراستها، في رحلة لجلب التمور، وظنا من سيدي قدور أنه في مأمن في أعماق الصحراء، بعيدا عن أنظار أعدائه، فتحركت عدة قوات فرنسية من سبدو والبيض والأغواط لمباغتة سيدي قدور ومن بقي معه،
رغبة منها في القبض عليه أو قتله، فهوجمت قواته يوم 23 ديسمبر 1871م بالمكان المسمى “المنقوب”، وتكبد سيدي قدور في هذه المعركة خسائر معتبرة، بعد أن أصيب هو وعمه سيدي لعلى بجراح، وانسحب سيدي قدور مع قواته جنوبا نحو “تبلكوزة” في أعماق الصحراء، بعد أن نجا من الأسر بأعجوبة، وفي هذه المعركة أسرت زوجة سيدي قدور وأمه وابنيه محمد وحمزة.
بعد ستة عقود من المقاومة المتواصلة، وإرهاق القبائل الموالية لها، وبعد تفجير ضريح سيدي الشيخ وحرق الزاوية الشيخية، وبعد اتباع سياسة فرق تسد من قبل فرنسا بين بعض أفراد عائلة سيدي قدور، بدأ التذمر يدب بين القبائل المساندة للثورة، حيث بدأت تتفرق، وبدأت العزلة والحصار يشتدان حول سيدي قدور يوما بعد يوم، واستطاعت فرنسا أن تعزله في أقصى الجنوب، ولم يبق معه إلا عدد من الأنصار يعدون على رؤوس الأصابع بخيمهم في الصحراء، من بينهم مقدم الطريقة الشيخية وشاعر مقاومة أولاد سيدي الشيخ، السيد محمد بالخير.
وأمام واقع الحال، وجد سيدي قدور نفسه مضطرا للتفاوض مع فرنسا مع الجنرال توماسان والعقيد بالاسكا، وهو في حالة عجز وعزلة، ليصل لاتفاق مع الفرنسيين سنة 1892م، بعدها رفض كل العروض وفضل البقاء في عزلته في الصحراء بعيدا عن فرنسا وإدارتها بقية حياته، وهي مدة خمس سنوات، إلى غاية تاريخ وفاته يوم الثلاثاء 9 فبراير سنة 1897م، الموافق لـ8 من رمضان 1314 هـ، حيث نقل جثمانه، ودفن بمدينة الأبيض، بضريح سيدي الشيخ.. الجزائر.
كان لوفاة سيدي قدور بن حمزة صدى كبيرا لدى الجزائريين عامة، وأتباع الطريقة الشيخية خاصة، كما أقر الفرنسيون بعد وفاة الزعيم سيدي قدور بمقاومته لهم مدة خمس عشرة سنة، وتناولت حدث وفاته الصحف الفرنسية، وتساءلت جريدة “لوفيغارو Le Figaro” عن تبعات وفاة زعيم المقاومة سيدي قدور بن حمزة، صاحب السلطة والولاء الواسع بين سكان الصحراء وقبائلها.. رحمه الله واسكنه فسيح جنانه آمين.
مقدم الطريقة الشيخية حاكمي مصطفى