1) إشارات في حزب الفلاح:
هذا مختصر لحزب الفلاح يضم مجموعة من الإشارات وبعض التعليقات وبعض التأصيلات الخاصة بالأذكار الواردة في هذا الحزب المبارك من الوظيفة الشيخية العامة, مع بعض التخريجات المتعلقة بالنصوص الواردة فيه، فأقول وبالله التوفيق،
نقدم للموضوع بمجموعة من الملاحظات والإشارات المفيدة:
= الملاحظة الأولى: يتكون حزب الفلاح من مجموعتين رئيستين:
المجموعة الأولى ـ من بداية الحزب إلى حدود قوله تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. هذه المجموعة تتكون بدورها من خمس فقرات على النحو التالي:
الأولى تتكون من بداية الحزب من الآيات الثلاث الأولى: ( توكلت على الحي...)، (وقل الحمد لله...)، (الحمد لله الذي هدانا...)، وتعالج موضوع العقيدة بالأساس.
الثانية تتكون من الدعاء، (جازى الله عنا...) مع الآية الرابعة (ربنا لا تزغ قلوبنا...)وتعالج موضوع الدعاء والشكر وطلب الاستقامة.
الثالثة تتكون من جملتي الاستعاذة وتعالج موضوع الحصانة والاستعاذة بالله من كافة ألوان الآفات والشرور.
الرابعة تتكون من جملتي الاستغفار وتعالج موضوع الاستغفار وأهميته مع ضرورة الإنابة والتسليم.
الخامسة تتكون من الآيتين الأخيرتين وتعالج موضوع الذكر وأهميته.
= المجموعة الثانيةـ وهي مجموعة الأذكار والصلوات الباقية إلى آخر الحزب. وهي أيضا يمكن تقسيمها إلى 3 فقرات على النحو التالي:
الأولى الذكر والدعاء بالكلمة الطيبة في الجملتين الأوليين من المجموعة.
الثانية الاستغفار بلفظ العموم والخصوص في الجملتين الثالثة والرابعة من المجموعة.
الثالثة دعاء الختم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الواردين في الجملتين الأخيرتين.
الملاحظة الثانية: يتكون حزب الفلاح من سبع عشر فقرة بعدد ركعات الصلاة اليومية وعدد تكبيرات الإحرام وعدد مخارج الحروف. وبالعودة إلى الملاحظة الأولى يتبين أن المجموعة الأولى تتكون من إحدى عشرة فقرة بعدد ركعات الصلاة كما فرضت في البداية أو بعدد ركعات صلاة السفر، لتتكون المجموعة الثانية من ست فقرات بعدد الركعات المتممة لصلاة الحضر.
= الملاحظة الثالثة أن الفقرات الخمس للمجموعة الأولى جاءت موافقة لمراحل عمر الإنسان:
ـ فالأولى التي تعالج العقيدة توافق مرحلة الطفولة وضرورة ترسيخ العقيدة في عقول الناشئة.
ـ الثانية التي تعالج موضوع الاستقامة توافق مرحلة الشباب وضرورة التربية والترشيد.
ـ الثالثة التي تعالج موضوع الحصانة توافق مرحلة الكهولة وضرورة التحصن بمنهج الله في هذه المرحلة من الحياة.
ـ الرابعة التي تعالج موضوع الإنابة والتسليم توافق مرحلة الشيخوخة استعدادا لحسن الخاتمة.
ـ الخامسة التي تعالج موضوع الذكر فأحسن بها من خاتمة لمن كان آخر عهده به من الدنيا.
أما من حيث ألفاظ هذا الورد:
حزب تطلق في اللغة العربية وتعني الجماعة والطائفة كما ورد في لسان العرب والقاموس المحيط، ومن ذلك قوله تعالى (كل حزب بما لديهم فرحون) ((16)). وقوله تعالى ( أولئك حزب الله ـ أولئك حزب الشيطان)((17))
كما تعني كلمة حزب أيضا الورد من القرآن والذكر كما ورد في القاموس المحيط والنهاية في غريب الحديث ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: طرأ علي حزبي فأحببت أن لا أخرج حتى أقضيه.
ومن معانيها أيضا السلاح كما ورد في القاموس المحيط.
أما كلمة الفلاح فتعني في اللغة العربية البقاء وتعني الفوز والنجاة والبقاء في النعيم والخير كما ورد في لسان العرب والنهاية في غريب الحديث، ومن دلك ما ورد في الآذان: حي على الفلاح، أي هلموا إلى الصلاة وتعالوا مسرعين إليها لتنالوا الفوز والنجاة والبقاء في الخير والنعيم في الدنيا والآخرة.
وتعني أيضا الظفر وإدراك البغية كما ورد في لسان العرب، إلى أن قال مؤلفه: والظفر نوعان، دنيوي وأخروي، أما الدنيوي فالظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا، وأما الأخروي ففي أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل.ولذلك ورد عنه صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري وغيره ( لا عيش إلا عيش الآخرة، فارحم الأنصار والمهاجرة).
أما الوظيفة فتعني ما يقدر له في كل يوم من رزق أوطعام أو علف أو شراب كما ذكر صاحب لسان العرب. كما تعني أيضا العهد والشرط..ووظف الإنسان الشيء على نفسه وظفه توظيفا أي ألزم نفسه به.
ومن هنا، فحزب الفلاح في الطريقة الشيخية يطلق ويراد به الورد اليومي من القرآن الكريم والأذكار المسنونة الحزب الذي ينبغي على مريد الطريقة المواظبة عليه، في أوقاته المحددة المعلومة، كسلاح رباني ومدد غيبي يقاوم به شرور النفس والهوى والشيطان سعيا منه لتزكية النفس وتطهيرها من الرعونات والحصول على الحفظ والخير والفضائل والأنوار المترتبة على الأذكار الواردة في الحزب، وليكون له سببا في الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة والتمتع بالنعيم والسعادة والظفر بالحسنى ومرضاة الله يوم القيامة.
أما بالنظر إلى مضمون حزب الفلاح فالملاحظ أنه متكامل المضمون والمعنى مع أصول الإسلام وفروعه. فيه ترسيخ العقيدة, فيه تأصيل العبادة، فيه التنويه بالأخلاق الفاضلة، فيه الحث على الدعاء الذي هو مخ العبادة إلى غير ذلك من أساسيات الإسلام وثوابته.أما قوله:
توكلت على الحي الذي لا يموت:
هذا الدعاء استعارة من قوله تعالى: وتوكل على الحي الذي لا يموت من الآية الكريمة 58 من سورة الفرقان. وكذلك من قوله تعالى: ومن يتوكل على الله فهو حسبه من سورة الطلاق. والتوكل تفويض الإنسان أموره كلها لله مع اتخاذ الأسباب, وهو خلاف التواكل المذموم والذي يعني ادعاء التفويض مع تعطيل الأسباب. والحي الذي لا يموت هو الله سبحانه، لأن حياته ذاتية مطلقة غير مسبوقة بعدم ولا ملحوقة بفناء، و كل حي سواه حياته نسبية مستمدة منه سبحانه، وهو في النهاية آيل إلى فناء.
والملاحظ أن ورود المقطع من الآية التي نوردها بتمامها كالتالي:
قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا، وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا بصيرا، الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فسأل به خبيرا.
فيه إشارات إلى تنبيه المريد وربطه بالحقائق العظمى التي تناولتها الآية الكريمة، نذكر منها ما يلي :
1 ـ ضرورة التمسك بالمنهج الذي جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يشير إليه صدر الآية: قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا.
2 ـ المبدأ العلمي لخلق الكون الوارد في قوله تعالى: الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام.
3 ـ مبدأ التوحيد والتسليم لله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، كما أخبر بذلك سبحانه لقوله تعالى: ثم استوى على العرش، حيث ثبت على الإمام مالك قوله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والتسليم به واجب، والسؤال عنه بدعة.
4 ـ مبدأ ضرورة الصحبة واتخاذ الشيخ مصداقا لقوله تعالى الرحمن فاسأل به خبيرا)((1).وقد وردت أدلة كثيرة في القرآن الكريم على ضرورة الصحبة واتخاذ الشيخ، من ذلك الآية السالفة الذكر، (وقوله تعالى" (ولا ينبئك مثل خبير)((19))، وقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)((20))، وقوله تعالى (واتبع سبيل من أناب إلي)((21))، وقوله تعالى( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)((22))، وقوله تعالى( من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)((23))، وقوله تعالى( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم)((24))، والذي ليس من قبيل الصدفة، ـ وليس في القرآن صدفة أصلا ـ ، أن ترد هذه الآية في فاتحة الكتاب التي لا صلاة لمن لا يقرأ بها، أو صلاته خداج كما في روايات أخرى، مع الإشارة 1إلى وجود آيات كثيرة أخرى تشير إلى هذا المبدأ العظيم الذي لا ينكره إلا محروم.
والتوكل ثمرة التوحيد الحق إذ لا تفويض حقيقي ولا توكل على الحقيقة إلا عن طريق العقيدة الصحيحة القائمة على التوحيد الحق. وقد ورد التوكل في القرآن الكريم بكل مشتقاته سبعين مرة، منها بلفظة (توكلت) الواردة في هذا الحزب المبارك سبع مرات في سورة التوبة الآية 129، سورة يونس الآية 71، سورة هود الآية 56 و 88، سورة يوسف الآية 67، سورة الرعد الآية 30، سورة الشورى الآية 10. وبلفظة (توكلنا) ورد أربع مرات، وبلفظ (يتوكل)إثنى عشرة مرة وبلفظ (نتوكل) مرة واحدة، وبلفظ (توكل) تسع مرات، وبلفظ (يتوكلون) خمس مرات، وبلفظ (توكلوا) مرتين...
ومما ورد في شأن التوكل أذكر ما يلي:
ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا خرج الرجل من بيته أو من باب داره كان معه ملكان موكلان به, فإذا قال بسم الله قالا هديت, وإذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله قالا وقيت, وإذا قال توكلت على الله قالا كفيت, قال فيلقاه قريناه فيقولا ن ماذا تريدان من رجل قد هدي وكفي ووقي. رواه صاحب المستدرك والترمذي والبيهقي وابن ماجة وأحمد وأبو داوود وابن حبان.
ـ قوله صلى الله عليه وسلم في ما رواه مسلم وصاحب المستدرك والبيهقي وابن أبي الدنيا: ما كربني أمر إلا تمثل جبريل عليه السلام فقال يا محمد قل توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وكبره تكبيرا.
قوله صلى الله عليه وسلم في ما رواه ابن السني: ألا أعلمك كلمات تذهب عنك الضر والسقم قل توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وكبره تكبيرا.
ـ مكتوب في التوراة لا تتوكل على ابن آدم فإن ابن آدم ليس له قوام وتوكل على الحي الذي لا يموت. رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي.
وقبل أن نمر إلى الفقرة الموالية، نشير إلى أن سبب نزول هذه الآية أن سيدنا سلمان الفارسي أراد أن يسجد للنبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن ذلك فنزلت هذه الآية.
2 ـ وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا:
هذا مقطع من الآية الكريمة 111 من سورة الإسراء, آية لها دلالة عميقة في مجال التوحيد والدعوة إلى الوسطية والاعتدال، نوردها بتمامها لمزيد من الفائدة:
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى، ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
فكونه سبحانه لم يتخذ ولدا، لأنه منزه عن كافة النقائص والشهوات ومماثلة الخلائق. وكونه لم يكن له شريك في الملك، لأن اتخاذ الشريك دليل على العجز والضعف والحاجة إلى من يأخذ باليد لقضاء الحوائج، أما هو سبحانه فيتصف بكافة صفات الكمال من جلال وجمال ومن ضمنها طلاقة القدرة التي تجعله قيوما بنفسه على ملكه وخلقه. وكونه لم يكن له ولي من الذل، لأن ولاية الذليل نقيصة حتى في حق المخلوق فأحرى بها في حقه تعالى، وهو صاحب العزة والعظمة والكبرياء، ومن أسمائه الحسنى العزيز. وهو الذي قال: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.. وفي رواية ما قرئت في بيت ليلة فيصيبه سرق ولا آفة.
وقد ورد في المعجم الكبير للطبراني: أن آية العز وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا, رواه صاحب المعجم الكبير. كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن من قرأها كتب الله له من الأجر مثل الأرض والجبال لأن الله يقول في من زعم أن لله ولدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأحد الصحابة رآه في حالة بؤس وسقم, ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر, قل: وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
وقد جاءت هذه الآية ردا على كل من اليهود والنصارى والمشركين لقوله تعالى: وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله .((25)) وفي آية أخرى: وقالوا اتخذ الله ولدا((26)). أما مشركوا العرب فكانوا يقولون لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. أما الصابئة فكانت تقول: لولا أولياء الله لذل الله.
ويروى أنه صلى الله عليه وسلم كما عند النسفي أنه كان إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية: وقل الحمد للد الذي لم يتخذ ولدا.....
وقد ورد عنه أيضا أن كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول: لو هدانا الله فيكون حسرة عليهم, وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول: لولا أن هدانا الله فهذا شكرهم. وفي رواية ينادون أن صحوا فلا تسقموا وانعموا فلا تبأسوا وشبوا فلا تهرموا واخلدوا فلا تموتوا. رواه مسلم وأحمد والنسائي والدارمي وابن أبي الدنيا وابن جريروغيرهم.
وقد ورد ذكر الحمد على مستوى الجذر 68 مرة، وهذا الرقم هو (17*4) نظرا لعلاقة سورة الحمد بالصلاة، أما ذكر لفظة الحمد في القرآن الكريم، فقد وردت 26 مرة.
3 ـ الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق.
هذا أيضا مقطع من آية من القرآن الكريم, و هي الآية 43 من سورة الأعراف نوردها بتمامها:
والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون، ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الانهار، وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون.
جاءت هذه الآية على لسان المؤمنين يوم القيامة بعدما يطهر الله سرائرهم ويدخلهم الجنة. حينئذ ينطقون بهذا الدعاء تعظيما ل،له واعترافا له بالفضل، وتأكيدا على صدق الرسالات السماوية التي بفضل إيمانهم بها بلغوا مراتب التنعيم العالية.
وقد ورد في الأثر أن الله ينزع الغل من صدور المؤمنين من أهل الجنة حتى يصير كمبارك الإبل حتى لا يقع التحاسد فيما بينهم بسبب تفاضلهم في النعيم((27)). وإذا كان اسم الإشارة لهذا الوارد في أصل الآية الكريمة على لسان أهل الجنة يعود على أنواع النعيم التي يتمتع بها أهل الجنة, فإن الشيخ قد استعار ذات العبارة ليعود اسم الإشارة فيها على نعمة الإسلام ونعمة الهداية ونعمة الصحبة الصالحة التي تؤدي في النهاية إلى نعيم الجنة الوارد في أصل الآية.
والحمد مقام عال جدا من التعظيم. ومنه تم اشتقاق الاسمين الشريفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحمد ومحمد. ولذلك يروى في الأثر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول:
خير الأسماء ما حمد وعبد.((2) وكانت أول لفظة يفتتح بها المصحف الشريف هي الحمد لله من سورة الفاتحة.
ولا ننسى أن الآية التي نحن بصدد الحديث عنها ذكرت مبدأ عظيما وهو مبدأ اليسر في الإسلام بقوله تعالى: لا نكلف نفسا إلا وسعها((29)).كما ذكرت أيضا مبدأ الإيمان والجنة وما بينهما من علاقة وارتباط.
( ولما كان ولله الحمد هذه المكانة المتميزة جدا، أبى شيخ الطريقة سيدي عبد القادر بن محمد رحمه الله، إلا أن يوظف هذا الاسم في حزب الفلاح، الذي يروى أنه أخذه عن الشيخ الإمام الجزولي رحمه الله .)
فكانت الفاتحة أول ما يتلى لافتتاح الحزب, ثم آيتا الحمد السالفتان. وقد ورد في شأن الحمد نصوص كثيرة تبين أهميته القصوى نذكر منها ما يلي:
ـ كل أمر لا يبدأ فيه بالحمد فهو أقطع وفي رواية أبتر. رواه أحمد وأبو داوود والبيهقي وابن ماجة وغيرهم.
أحب الكلام إلى الله أربعة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت. رواه مسلم والبيهقي وأبو داوود وأحمد وابن حبان.
ـ أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله. رواه الترمذي وابن ماجة وابن حبان وصاحب المستدرك.
ـ عن فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جيشا فقال لئن أتاني منهم خبر صالح لأحمدن الله حق حمده, فلما أتاه منهم خبر صالح قال اللهم لك الحمد شكرا ولك المن فضلا, فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله إنك قلت لئن أتاني منهم خبر صالح لأحمدن الله حق حمده,قال قد قلت اللهم لك الحمد شكرا ولك المن فضلا. رواه الهيثمي والطبراني في المعجم الكبير.
وفي ما روي عنه صلى الله عليه وسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال:
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدونى أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعمونى أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسونى أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه قال سعيد كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه. هذه رواية الإمام مسلم، ورواه أيضا كلا من أحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك والبخاري في الأدب المفرد.
والجدير بالملاحظة الارتباط الوثيق القائم بين المقاطع السالفة. فلما كانت الآية الأولى أقرت مبدأ الصحبة بناء على منهج الرسالة، والآية الثانية أقرت مبدأ التوحيد، وأقرت الثالثة مبدأ الإيمان والعمل الصالح، جاءت هذه الآية لتبين الثمرة من كل ما سبق، أي نعيم الجنة وتطهير الصدور بها غدا يوم القيامة، ولعل هذا بعض ما كان يهدف إليه الشيخ من وراء هذا الترتيب العجيب، خصوصا وأن هذا الترتيب يتلاءم حتى مع السور التي تم منها اقتباس الآيات المذكورة، سورة الفرقان وعلاقتها بالمنهج، وسورة الإسراء وعلاقتها بالتوحيد، وسورة الأعراف وعلاقتها بالواقع.
4 ـ جازى الله عنا سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل مما هو أهله:
جازى من الجزاء، يجوز فيها من جانب اللغة جازى وجزى بدون ألف، ولذلك يجوز ذكر أي اللفظين في هذا الدعاء.
لما ورد في المقطع السالف على لسان أهل الجنة وهم يرون الثمار رأي العين, الحمد لله الذي هدانا لهذا ثم لقد جاءت رسل ربنا بالحق, جاء هذا الدعاء من الشيخ تعظيما لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتقديرا للدور العظيم الذي قام به لإنقاذ المسلمين بالجملة وإخراجهم من الظلمات إلى النور وأهل الترقي في معارج الإيمان والسبح في فضاء الإحسان على الخصوص. ولم يكتف الشيخ بالصيغة الواردة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال جزى الله عنا محمدا ما هو أهله أتعب سبعين كاتبا ألف صباح , كما رواه صاحب المعاجم في الكبير والأوسط وفي مسند الشاميين, وإنما اجتهد في الإتيان بالنص على صيغة التفضيل وزيادة بقوله, أفضل مما هو أهله, وكل ذلك مبالغة منه في تعظيم الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي يستحق منا كل تعظيم وتقدير, ورحم الله الإمام البوصيري إذ يقول في البردة:
دع ما ادعته النصـارى في نبيهم واحكم ما شئت مـدحا فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم في ما رواه كل من أبي داوود والنسائي والبيهقي وأحمد والحاكم وغيرهم قوله: من صنع لكم معروفا فكافئوه، فإن لم تقدروا فادعوا له. ومن منا يستطيع أن يكافئه صلى الله عليه وسلم، خصوصا وأن المعروف الذي قدمه للإنسانية عموما ولأمته خصوصا فوق أن يقدر أو يوصف، فلم يبق لنا إلا أن ندعو له بأن نكثر من الصلاة عليه، ونطلب له المقام المحمود، ونلح على الله سبحانه أن يرزقنا الصدق في محبته، وحسن اتباع هديه وسنته.
5 ـ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب:
هذا المقطع من مطلع سورة آل عمران نورده كاملا في سياقه لإتمام المعنى:
هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب (7) ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد.
جاء هذا المقطع ليعالج قضية في غاية الأهمية. إنه يبين أن من القرآن الكريم ما هو محكم ظاهر ومعلوم المعنى ينبغي العمل به، ومنه ما هو متشابه ينبغي فيه التسليم لله, ويؤكد على أن الراسخين في العلم يعملون بالمحكم ويؤمنون بالمتشابه ويسلمون لله في معناه والمراد به وإن لم تدركه عقول بعضهم, وأن الذين في قلوبهم زيغ فيعمدون ـ حسب أهوائهم ـ إلى تأويل ما تشابه منه اتباعا لشهواتهم ابتغاء الفساد وبث الفتنة بين الناس. ولذلك جاء هذا الدعاء العظيم في صيغة طلب من المؤمنين لتثبيت القلوب على الحق ودوام الاستقامة, حتى لا تميل بهم الأهواء صوب أهل الزيغ والضلال. وقد جاء ختام الدعاء وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب, تأكيدا لذات المعنى, خصوصا وأن القرآن الكريم ضرب لنا أمثلة رائعة من ثبات الصالحين الذين وهب الله لهم رحمة خاصة من لدنه, من ذلك فتية أهل الكهف والعبد الصالح صاحب سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام في القصة المعلومة. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كما ورد عند البخاري في الأدب والترمذي والبيهقي وابن ماجة والحاكم في المستدرك وأحمد وغيرهم أنه كان يكثر من دعاء:
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك, وكان يقول ما من قلب إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء((29)) بمعنى أن جميع القلوب بين أصابعه سبحانه يقلبها كما يشاء, من شاء أقامه ومن شاء أزاغه. ومن أوجه عظمة هذا الدعاء أنه ورد في الموطأ وعند البيهقي وابن أبي شيبة عن عبد الله الصنابحي قال, قدمت المدينة في خلافة أبي بكر الصديق فصليت وراءه المغرب فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسور من قصار المفصل ثم قام في الثالثة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه فسمعته يقرأ بأم القرآن وهذه الآية: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ولذلك قال العلماء بجواز قراءة هذه الآية في الركعة الثالثة من المغرب كضرب من القنوت.
ومن الملاحظ أنه قد ورد ذكر الرحمة ومشتقاتها في القرآن الكريم 114 مرة بعدد سور القرآن، وفي ذلك ما فيه من إشارة بليغة إلى كون كل سورة من سور القرآن الكريم رحمة بذاتها، ولذلك ورد طلب الرحمة كما في قوله تعالى على لسان فتية الكهف: ربا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.كما ورد ذكر الرحمة الخاصة التي ميز الله بها العبد الصالح كما في قوله تعالى: فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما((30)).
6 ـ أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق:
التعوذ هو التحصن والإستعانة وطلب الحماية من الله. ومما ورد في معنى كلمات الله التامات أنها القرآن الكريم وقول آخر أنها الباقيات الصالحات وقول ثالث أنها الكلمة الطيبة أي لا إله إلا الله. ويكفي أنها كلمات الله وأنها تامات لنستشعر قدرها ومعناها العظيم, وكونها حصنا حصينا يحتمي به المؤمن لاتقاء المكاره كلها. وقد ورد في شأن هذه الاستعاذة عدد من النصوص الدالة على نفعها العظيم أذكر منها:
ـ ورد أن رجلا لدغته عقرب فجاء يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك. رواه مالك في الموطأ.
ـ وقد ورد عند ابن حبان وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: من قال حين يمسي ثلاث مرات أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تصبه حمة. والحمة بضم الحاء وتخفيف الميم اسم يطلق على كافة أنواع السم.
ـ كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله, إذا فزع أحدكم في النوم فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون, فإنها لم تضره. رواه مالك والترمذي وأحمد والبيهقي والحاكم في المستدرك.
ـ وفي رواية في المعجمين الكبير والأوسط وعند عبد الرزاق: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن شر فتن الليل وفتن النهار ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير يا رحمان.
ـ وفي رواية عند ابن الشيخ كما في كتاب نعت البدايات عنه صلى الله عليه وسلم: من قال حين يصبح أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وبرأ وذرأ عصم من شر الثقلين الإنس والجن وإن لدغ لم يضره شيء حتى يمسي وإن قال حين يمسي كان كذلك حتى يصبح.
ـ وورد عنه أيضا قوله: إذا نزل أحدكم منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه. رواه مسلم والبيهقي وأحمد والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وغيرهم.
ـ وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من النار فأتاه جبريل وعلمه هذه الكلمات فانطفأت شعلة العفريت وخر لحينه. رواه مالك وأحمد والبيهقي وابن أبي شيبة.
7 ـ بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
الله سبحانه هو الخالق لكل الأشياء ومسببها, وهو الذي وضع فيها خاصيات النفع والضر, وهو وحده القادر على أن يعطل منها تلك الخاصيات بمجرد قوله لها: كن. ولما كان من طبيعة الإنسان أن يتخوف من الأشياء المضرة ويستعيذ بالله منها، فقد جاء هذا الدعاء في ذات المعنى. فالاحتماء باسم الله والتحصن به يقي الإنسان من شرور كافة المخلوقات ما نعلم منها وما لا نعلم, ما كان منها في الأرض وما جاء منها من السماء, لأن قدرة الله المطلقة فوق كل شيء, وما علينا إلا أن يتحقق لدينا اليقين الكافي لنرى العجب.
ـ وقد ورد عن سيدنا عثمان بن عفان عنه صلى الله عليه مسلم أنه قال, ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء. رواه البخاري في الأدب والترمذي وابن ماجة وأحمد والطيالسي. وفي رواية للبيهقي وابن حبان وأحمد وأبو داوود, لم يصبه في يومه ولا في ليلته فجأة بلاء.
ـ وقد ورد عند ابن عساكر وابن كثير في البداية والنهاية أن سيدنا خالد بن الوليد في حادثة تاريخية معروفة ذكر هذا الدعاء بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم, ثم تناول سم ساعة فلم يؤثر فيه بشيء. وفي رواية أنه قال بسم الله خير الأسماء رب الأرض والسماء الذي لا يضر مع اسمه داء الرحمن الرحيم. وقد ورد في رواية لعبد الرزاق وابن أبي شيبة أن من أراد أن يحصل له من طعامه نفع محض دون أي ضرر مهما كان فليقل عند تناوله: بسم الله خير الأسماء لله ما في الأرض والسماء لا يضر مع اسمه داء اللهم اجعل فيه عافية وبركة وشفاء.
8 ـ سبحان ربي العظيم وبحمده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم:
سبحان تعني تنزه وتقدس, وهي تأتي عادة للتنبيه إلى أمر عظيم الأهمية كما في قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, إشارة إلى معجزة الإسراء والمعراج. ولما كانت الحوقلة أي لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كنز من كنوز الجنة كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم عند أحمد والبيهقي وابن حبان والمعجم الكبير وغيرهم, وكان معنى الحول هنا الحيلة والتدبير, فإن معنى الدعاء يصير أنزهك يا إلهي وأقدسك من أن أستعين بسواك، فأنت المستعان وحدك, كما أتبرأ من كل حيلة أو تدبير أو قوة إلا ما كان من عندك. وقد ورد في الحصن الحصين لابن الجزري تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله.
ومن الإشارات الخفية أن التسبيح ورد في القرآن الكريم على مستوى الجدر اثنين وتسعين مرة وهذا الرقم هو القيمة العددية لإسمه الشريف محمد وفيه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان خير من سبح الله. أما كلمة سبح فوردت أربع مرات بعدد ذكر اسمه الشريف في القرآن الكريم. أما كلمة سبحان فوردت ثلاث عشر مرة بعدد السنين التي قضاها الرسول في فترة البعثة المكية،
9 ـ استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو بديع السماوات والأرض وما بينهما من جميع جرمي وظلمي وما جنيته على نفسي وأتوب إليه:
الاستغفار هو طلب المغفرة من الله عما نرتكبه من ذنوب وآثام, ولما كان لا مندوحة للإنسان منه, لذلك فلا حاجة للتذكير بأهميته العظيمة إذ يكفي أن سيدنا محمدا كان أكثر ما يوصي بالاستغفار، وكان يقول: إنه ليغان على قلبي فإني استغفر الله في اليوم مائة مرة, وفي روايات فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة, كما ورد عند البخاري في الأدب ومسلم وأحمد وابن حبان وأبو داوود وغيرهم. والإبداع هو الخلق من لا شيء. وبديع السماوات والأرض أي الذي خلقهم بإبداع فائق لا مزيد عليه. وما بينهما، أي ما بين السماوات السبع بالجملة وما بين الأرض, ويشمل كذلك ما بين كل سماءين في ما بينهما وما بين كل أرضين في ما بينهما لأن كل شيء في الكون من خلقه وإبداعه سبحانه وتعالى. وجرمي وظلمي يعني كافة الجرائم ، أي الذنوب والآثام والجنايات التي ارتكبتها في حق نفسي، والمظالم أي التي أرتكبتها في حق الله، وفي حق الغير, وما جنيته على نفسي يشمل الأنواع السالفة الذكر من الذنوب لأنها جنايات في حق النفس من باب أولى باعتبارها هي التي تتحمل تبعاتها, كما يشمل الذنوب التي يرتكبها الإنسان في حق نفسه خاصة.
ومما ورد في فضل هذا الاستغفار كما ذكر السيوطي نقلا عن صاحب نعت البدايات أن من قال: استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم بديع السماوات والارض وما بينهما من جميع جرمي وظلمي وإسرافي على نفسي وأتوب إليه، ثلاث مرات كل يوم بعد صلاة الصبح كان له قسط وافر في الفهم والعلم وكثرة المال وسعة الرزق.
10 ـ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون.
هذه الآيات من سورة الروم 15ـ16ـ17. وقد سبق الحديث أن لفظة سبحان ترد للتنبيه إلى أمر خطير ذي بال. والأمر المهم المقصود هنا هو الصلاة وما أدراك ما الصلاة, لأن الآية المذكورة تحدد مواقيت الصلاة الخمس. فحين تمسون وقت المغرب، وحين تصبحون وقت الصبح، وعشيا وقت العصر، وحين تظهرون وقت الظهر، وهذه أربعة أوقات, والخامس وارد في قوله تعالى ومن بعد صلاة العشاء, كما يستنبطه البعض من قوله: وله الحمد في السماوات والأرض . وهذه الآية هي آية الخلة. ومما ورد في شأنها أذكر:
ـ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى, لأنه كان يقول كلما أصبح أو أمسى سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون .. حتى ختم الآية. رواه أحمد وصاحب المعجم الكبير وابن جرير وصاحب الكنز.
ـ وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أيضا أن من قال حين يصبح فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض .. إلى آخر الآية أدرك ما فاته في يومه, ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته, في رواية من قالها ثلاث مرات. رواه أبو داوود وصاحب المعجمين الكبير والأوسط وابن أبي شيبة.
11 ـ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
هذه الآية هي خاتمة سورة الصافات. ومرة أخرى يأتي ذكر التسبيح والحمد كما في الآية السالفة. ولم يكن اختيار الشيخ لهذه الآية اعتباطا وإنما تقديرا منه للمعاني السامية التي تشتمل عليها. وهذه آية المكيال الأوفى كما ورد عن علي كرم الله وجهه قوله, من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقرأ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. وفي رواية فليقرأ حين يفرغ من صلاته. رواه الديلمي وعبد الرزاق في مسنده وابن زنجويه. ولما كانت كذلك جرت العادة على ختم المجالس والمواعظ والأحاديث ذات البال بها كما هو معروف.
12 ـ لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله.
في هذه العبارة أربعة أشياء:
ـ لا إله إلا الله وهي الكلمة الطيبة غنية عن التعبير والتفسير. يكفي أن جميع الرسل جاءوا ليؤكدوها. وقد رود عنه صلى الله عليه وسلم قوله: خير ما جئت به أنا والنبيئون من قبلي لا إله إلا الله.
ـ تسييد الرسول صلى الله عليه وسلم, وهي قضية وإن كان بعض العلماء يرون ضرورة الالتزام بظاهر النصوص دون تسييد، فإن أكثرية العلماء تؤكد ضرورة تسييد الرسول صلى الله عليه وسلم تأدبا معه وتعظيما له، وتستدل على ذلك بأن التسييد وارد في القرآن الكريم في حق سيدنا يحيى عليه السلام في قوله تعالى: وسيدا وحصورا ونبيئا من الصالحين, وكل تشريف وتعظيم ورد في حق سواه فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أحق وأولى. بل قد ثبت التسييد في القرأن لعزيز مصر على زوجته في قوله تعالى: "وألفيا سيدها لدى الباب" فإذا ثبت لهذا الكافر على زوجته مع ما كان عليه من الكفر، فكيف لا يحق لسيد الموجودات بلا خلاف. كما ثبت التسييد في السنة في عدة أحاديث صحيحة منها قوله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داوود وأحمد . وإذا كانت السيادة ثابتة له يوم القيامة بمقتضى هذه النصوص, فثبوتها له في الدنيا من باب أولى.
كما ثبتت السيادة على لسانه لغيره من الصحابة كما قال في حق سيدنا سعد بن معاد في غزوة بني قريظة في ما رواه البخاري ومسلم وأبو داوود وأحمد في قوله: قوموا إلى سيدكم. وفي حادثة أخرى في ما رواه مسلم وأبو داوود وابن ماجة قوله: اسمعوا إلى ما يقول سيدكم. كما أورد البخاري والترمذي على لسان سيدنا عمر بن الخطاب قوله، أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا. بل ثبتت السيادة له على لسانه في الدنيا في ما أورد ابن ماجة عنه صلى الله عليه وسلم قوله: اللهم اجعل صلاتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين. والنصوص المقررة للسيادة كثيرة كما في حق الحسنين والصاحبين أبي بكر وعمر وغير هاؤلاء، نكتفي منها بهذا القدر.
أما عدم تسييده صلى الله عليه وسلم لنفسه في نصوص الصلاة عليه, فمن ناحية بسبب عظيم تواضعه، ومن ناحية ثانية لأنه مشرع ولم يرد أن يفتح المجال أمام من لا يستحق السيادة أن يلزم الناس بالقوة على تسييده وتقديسه، على حساب خلق التواضع، وإلا فإن صلاتنا عليه أصلا هي ضرب من التعظيم والتقدير والتسييد لشخصه الكريم، ولمقامه العظيم.
ـ إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم وإعلان الإيمان والتصديق بها, والتأكيد على أن هديه هو الدال حقا على الصراط المستقيم الذي يوصل إلى خير وسعادة الدنيا والآخرة. وهذه قضية بديهية لا تستحق التأكيد.
ـ ترسيخ الصلاة على آله, أي أهل بيته، لأن الصلاة عليه دونهم هي خداج أي ناقصة، ولأن الصلاة عليهم اكتيال بالمكيال الأوفى أيضا كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صل على محمد وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. رواه البيهقي وأبو داوود والنسائي. وما دام الأمر كذلك فقد وجبت
محبتهم لمحبته, لقوله تعالى من سورة الشورى الآية 23: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى.وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله:لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهلي أحب إليه من أهله وعترتي أحب إليه من عترته وذاتي أحب إليه من ذاته. رواه الحاكم في المعجمين الكبير والأوسط. بل ورد عنه كما عند أصحاب السنن في إحدى الروايات قوله: إني أوشك أن أدعي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين الأكبر والأصغر أما الأكبر فكتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. بل ورد أخطر من ذلك كما عند الترمذي وابن حبان والحاكم في المستدرك وصاحب المعجمين الكبير والأوسط قوله صلى الله عليه وسلم: ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مستجاب الدعوة المكذب بقدر الله والزائد في كتاب الله والمتسلط بالجبروت يذل من أعز الله ويعز من أذل الله والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتي لما حرم الله والتارك لسنتي. والمستحل من عترتي لما حرم الله أي الذي يستبيح حرمات عترتي ويستحل منها ما حرم الله. والعترة حسب قواميس اللغة تطلق ويراد بها قرابة الرجل وعشيرته وفصيلته ويراد بها نسله ورهطه الأقربون. ونظرا لأهمية هذه القضية فقد أصلها الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد منبها إلى خطورتها من خلال اختياره لهذه الصيغة من التصلية المباركة. ولذلك فقد ورد في المناقب أن الشيخ رضي الله عنه كان كثير التعظيم لآل البيت.
ومعلوم أن لا إله إلا الله هي الكلمة الطيبة الواردة في قوله تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه،((31)) والنصوص الواردة في شأنها من السنة المطهرة فوق الحصر، نكتفي منها بقوله صلى الله عليه وسلم كما قي المعجم الكبير وحياة الصحابة: ما من شجرة في الجنة إلا ومكتوب عليها لا إله إلا الله أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النورين. وغير خاف أن لا إله إلا الله محمد رسول الله هي أول ما رأى أبونا آدم مكتوبا على ساق العرش حينما زرع الله فيه الروح، وكانت له سببا في التوسل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما ارتكب الخطيئة فتاب الله عليه بفضل وقدر سيدنا محمد عنده. وهذا الأمر ثابت في العديد من النصوص (كما في المستدرك على الصحيحين وغيره) التي يقوي بعضها بعضا بحيث تبلغ درجة من الصحة لم تترك مجالا للشك أو الطعن إلا لمن حرم نعمة تعظيم لا إله إلا الله وتعظيم قدر سيدنا رسول الله عند الله سبحانه.
13ـ ثبتنا يا رب بقولها وارحمنا يا مولانا بذكرها واجعلنا من أخير أهلها واحشرنا مع الصادق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الضمير هنا يعود على الكلمة الطيبة لا إله إلا الله. فالثبات على قولها يعني دوام الاستقامة, والاستقامة أعظم نعمة وكرامة, وطلب الرحمة بذكرها لأن من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ب: لا إله إلا الله دخل الجنة، ومن قالها صادقا دخل الجنة, وأما طلب الحشر مع سيدنا محمد لأن المحشور معه يصنف من أهل السابقة في الحسنى.
14 ـ استغفر الله من كل ذنب أذنبته عمدا وخطأ سرا وعلانية وأتوب إليه من الذنب الذي أعلم ومن الذنب الذي لا أعلم وأنت علام الغيوب غفار الذنوب ستار العيوب كاشف الكروب وأتوب إليه.
هذا استغفار جامع، لأن الذنوب لا تخرج عن كونها إما عمدا أو خطأ وإما سرا أو علانية، وإما معلومة أو غير معلومة. وأما قوله وأنت علام الغيوب، فللتأكيد على أنه يستحيل أن يغيب عنه سبحان أي شيء وبالأحرى أفعالنا. وأما قوله غفار الذنوب، فلأن رحمته وسعت كل شيء ولا من يغفر الذنوب سواه. وأما قوله ستار العيوب، فلأن الإنسان موطن العيوب والنقائص ليبقى الكمال والتنزيه والتقديس لله وحده سبحانه. ومن عظيم رحمته وحكمته أنه ستر عيوب عبده ليظهر جميلا قابلا للتزكية والترقي ويحضى بالتقدير. وأما قوله كاشف الكروب، فلأن كون الإنسان ضعيفا بنفسه يدفعه للاستسلام بسهولة أمام الأحداث كلما جاوزت تحمله ليفقد الصواب, والذي يستطيع رفعها عنه هو الذي قدرها عليه، وهو الله سبحانه. وقد جاءت ألفاظ علام غفار وستار بصيغة المبالغة للإشارة إلى كمال صفاته وعظيم جوده. ويجوز أن تأتي كاشف أيضا بصيغة المبالغة أي كشاف لأن الذي يكشف الكروب على وجه المبالغة والاستمرار باليقين هو الله.31
15 ـ اللهم اغفر لأمة محمد اللهم ارحم أمة محمد اللهم استر أمة محمد اللهم اجبر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولكل من آمن به وجميع المسلمين.
ورد عند ابن عطاء الله السكندري في لطائف المنن أن هذا الدعاء هو دعاء الخضر عليه السلام من قاله كل يوم صار من الأبدال. (والأبدال) مرتبة من مراتب الولاية أعطى الله أهلها خاصية التشكل في أكثر من مكان في ذات الوقت.وقد سموا أبدالا لأنهم يتبدلون من مكان إلى مكان آخر ومن حال إلى حال في نفس الوقت. والدعاء لأمة سيدنا محمد بالمغفرة والرحمة في الآخرة بالدرجة الأولى, وبالستر وجبر ما انكسر من أحوالها في الدنيا على الخصوص، وإن كان الدعاءان يتداخلان. وتم تقديم دعاء الآخرة لأنها هي الأهم وهي المقصد الأسنى باعتبارها دار الخلود. ويجوز التسييد في هذا الدعاء, اللهم اغفر لأمة سيدنا محمد اللهم ارحم أمة سيدنا محمد اللهم استر أمة سيدنا محمد اللهم اجبر أمة سيدنا محمد. ويجوز في كلمة لكل أن تأتي كبدل من لأمة في الدعاء الأول على تقدير, اللهم اغفر لأمة محمد ولكل من آمن به, كما يجوز أن تأتي بالفتح بدون لام كبدل من الأدعية الثلاثة الباقية على تقدير اللهم ارحم أمة محمد وكل من آمن به, ونفس التقدير في دعاءي الستر والجبر. وأما قوله وجميع المسلمين، فيجوز أن يتوسع ليشمل كافة مسلمي الأمم السابقة، لأن الدين عند الله الإسلام، ولأن تسمية المسلمين كانت منذ سيدنا إبراهيم الخليل لقوله تعالى: ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا((32)).
16 ـ= أعددت لكل:
1= هول لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله ـ2= ولكل نعمة الحمد لله ـ 3= ولكل رخاء الشكر لله 4= ولكل أعجوبة سبحان الله ـ 5= ولكل ضيق حسبي الله ـ 6= ولكل ذنب استغفر الله ـ 7= ولكل هم وغم ما شاء الله ـ 8= ولكل قضاء وقدر توكلت على الله ـ 9= ولكل مصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون ـ 10= ولكل طاعة ومعصية لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ـ 11= ولكل بلاء وشدة استعنت بالله استعنت بالله استغثنا بالله،
قد يستغرق الحديث في هذه الفقرة طويلا، ولكننا نوجز الكلام لطبيعة المقال. فكلمة أعددت في بداية المقال من الإعداد اقتبسها الشيخ من قوله تعالى الآية 60 من سورة الأنفال: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. كما أنها مقدرة أمام كلمة لكل في المرات العشر الموالية, بمعنى أعددت لكل نعمة وأعددت لكل رخاء وأعددت لكل أعجوبة وهكذا. والملاحظ أن الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد قد اقتبس من النصوص الحديثية لكل حالة بما يوافقها من طاعة وعبادة. فإعداد كلمة التوحيد في الأهوال والشدائد عبادة الظرف لأنها أعظم الذكر والقلوب تطمئن بذكر لا إله إلا الله في الشدائد وتستمد منها اليقين اللازم لتخطي تلك الظروف القاسية, وعبادة الله أثناء توفر النعم حمد الله عليها, وعبادة الله أثناء عموم الرخاء شكر الله عليه لتلقي المزيد منه لأنه يقول لئن شكرتم لأزيدنكم, وتسبيح الله في أحوال حدوث الأمور التي تثير التعجب عبادة الظرف، إذ لا عجب في أمر ال،له ولأنه اعتراف بطلاقة قدرة الله, والتسلح بمشيئة الله مسلك أمن وسلامة أمام كل من الطاعات والمعاصي والأحداث المستقبلية، لأن الله يقول في الآية 24 من سورة الكهف:
ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله, ولأن الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول في ما رواه الديلمي: من رأى شيئا فأعجبه له أو لغيره فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله, والحسبلة، إي ذكر حسبي الله، سلاح لمواجهة أحوال الضيق، لأن الله يقول في الآية 174 من آل عمران: وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء, والاستغفار وسيلة فعالة ويقينية لمحو للذنوب, والتوكل على الله في قضايا القضاء والقدر إيمان وتسليم بالقضاء والقدر, والترجيع أثناء المصائب علامة الصبر والاستسلام لمراد الله وبشرى للمؤمن لقوله تعالى في الآية 157 من سورة البقرة:وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون, والتبرؤ من الحول والقوة من كل ما سوى الله في كل من الطاعة والمعصية اعتراف بالضعف والعجز والعبودية لله وتسليم لقضاء الله وقدره, والاستعانة بالله في الشدة والبلاء طلب اللطف في ما جرت به المقادير، لكونه هو المستعان به وحده.
وقبل الختم أود أن أشير إلى الملاحظات الآتية:
1 ـ إنه دعاء كامل شامل كل الظروف التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان في الحياة، الشيء الذي جعل الشيخ جازاه الله عنا خيرا يلخص لنا من الآثار لكل ظرف منها ما يلائمه من طاعة، وما يلائمه من سلاح لمواجهته.
2 ـ في ذكر "أعددت" في مطلع الدعاء إشارة للمريد على ضرورة اتخاذ الأسباب وبذل الجهد لا أن يتواكل ويعتمد على مجرد الذكر باللسان، خصوصا وأن الحق سبحانه يؤكد هذه الحقيقة بقوله، والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.
3 ـ توافق عدد فواصل هذا الدعاء الإحدى عشر مع عدد الفقرة الأولى من الحزب ومع عدد ركعات الصلاة في السفر، وكما أنزلت في البداية.
4 ـ يتكون هذا الدعاء بدوره من خمس فقرات كالتالي: 1= من الأدعية الثلاثة الأولى إلى حدود الشكر لله، 2= من الدعاءين المواليين إلى حدود حسبي الله، 3= من الدعاءين المواليين إلى حدود ما شاء الله، 4= من الدعاءين المواليين إلى حدود راجعون، 5= من الدعاءين الأخيرين.
5 ـ من جماليات هذا الحزب المبارك الترابط البديع بين الفقرات الخمس لهذا الدعاء وبين الفقرات الخمس للمجموعة الأولى من جهة، وبين مضمون الدعاء في هاته الفقرات وبين الأذكار الواردة في الفقرات الخمس لتلك المجموعة.ذلك أن:
ـ حسن التوكل والحمد الواردين في الفقرة الأولى من الحزب يتوافقان تماما مع مواجهة أحوال الهول وفتن النعم والرخاء من الفقرة الأولى من هذا الدعاء،
ـ التمسك بالمنهج وطلب الثبات عليه في الفقرة الثانية هناك، يتوافقان مع مواجهة أحوال الضيق والتعجب في الفقرة الثانية هنا،
ـ التعوذ بالله والاستعانة به في الفقرة الثالثة هناك، يتوافقان مع مواجهة أحوال الذنوب والهم والغم في الفقرة الثالثة هنا،
ـ الاستغفارين في الفقرة الرابعة هناك،يتوافقان تماما أيضا مع مواجهة أحوال الضجر والاضطراب أثناء نزول المصائب والأقدار كما في الفقرة الرابعة هنا،
ـ كما أن التسلح بالإكثار من الصلاة والتسبيح في الفقرة الخامسة هناك أسلحة قوية لمواجهة أحوال البلاء والشدة والطاعات والمعاصي الواردة في الفقرة الخامسة هنا.
6 ـ من الإشارات الجميلة فيه أيضا التقابل البديع بين الفواصل انطلاقا من الوسط أي من "ولكل ذنب استغفر الله،" فالضيق خامسا يقابله الهم والغم سابعا، والأعجوبة رابعة يقابلها القضاء ثامنا، والرخاء ثالثا تقابله المصيبة تاسعة، والنعمة ثانية تقابلها الطاعة عاشرة، والهول أولا يقابله البلاء أخيرا. بمفهوم آخر:
ـ إن الهم والغم يأتين كنتيجة حتمية لضيق الصدر بالخصوص إذا كان فارغا من الإيمان والقوة الروحية.
ـ والتعجب من صنع الله إنما يأتي نتيجة القصور في فهم طلاقة القدرة والمشيئة وبالتالي ضعف الإيمان بالقضاء والقدر.
ـ والمصيبة تأتي في الغالب بسبب التمادي في الغفلة عن الله وعدم تقديم الشكر لله في أحوال الرخاء.
ـ كما أن النعمة تقابل الطاعات طردا وعكسا لقوله تعالى:وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم.ولقوله تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض.
ـ أما البلاء والشدة فالعلاقة بينهما وبين الهول في غاية الوضوح, وهكذا..
7 ـ وهناك تسلسل جميل آخر يتعلق بالأذكار الواردة في الدعاء، انطلاقا من البداية:
ـ فالكلمة الطيبة تدفع بصاحبها إلى مقام التوبة أول مقامات السلوك هروبا من هول الفتن ليرتقي بها بعد ذلك إلى مقام الحمد والاعتراف بالنعم ومن ضمنها نعمة الإسلام، وبعدها يرتقي بها إلى مقام الشكر على كافة أحوال الرخاء وألوان الراحة والتنعيم، ثم تسمو به إلى مقام التسليم الكامل بطلاقة القدرة والمشيئة لينتفي عنه التعجب من صنع الله. ثم يرتقي بها بعد ذلك إلى مقام التفويض الكامل لله سبحانه الذي هو مقام العبودية الحقة لله تعالى. ومن وجه آخر،
ـ إذا كانت الدنيا في عمومها هول وفتن ومكابدة، فإن لحظات النعيم تخصيص منها، ثم إن الرخاء بدوره تخصيص من النعيم باعتباره إفراط فيه، كما أن وقوع أحوال التعجب كخرق للعادات لا يقع بدوره إلا استثناء لتذكير الإنسان بالله في أحوال الغفلة، أما الضيق فلا ينبغي أن يقع أصلا في حياة المريد إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان، فإذا ما وقع فلتذكير الإنسان باللجوء إلى الله. ولمزيد من التوضيح يرجع إلى كتاب الطريقة الشيخية في ميزان السنة الصفحة 175 فما بعد.
خلاصة القول، إن هذا الدعاء العظيم قد تم انتقاؤه من طرف الشيخ بعناية فائقة، انتقاء بقدر ما ينم عن مكانته العلمية الرفيعة ومكانته التربوية الربانية العالية، ينم أيضا عن مدى ضرورته للمسلم على العموم، وحياة المريد على الخصوص، وحياة السالك الحق بوجه أخص، وبالتالي يبين السر في كون الشيخ رضي الله عنه رتبه على مريديه ومحبيه لتتم ترقيتهم عبر المقامات التي أسلفنا آنفا.
وكان خير ما تم به اختتام هذا الحزب المبارك الصلاة على رسول الله بالصيغة السنية الصحيحة:
17 ـ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما والحمد لله رب العالمين.
خلاصـــــــة القول:
إن حزب الفلاح هذا حزب جامع بحق, جامع لكل ما يحتاج إليه المسلم من أمور الدنيا والآخرة، يتبين ذلك من الثمار الجليلة التي تترتب على الذكر به باتخاذه وردا. من هذه الثمار أذكر ما يلي:
ـ فيه تحقيق لمبدأ التوكل, وثمرته أن من يتوكل على الله فهو حسبه أي كافيه في جميع ما يحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة.
ـ فيه التحصن من وساوس الشياطين وقرناء السوء وثمرته أن تتحقق للمريد الهداية والكفاية والوقاية.
ـ فيه التحصن من كافة المكاره وطوارق الشر والسوء من الجن والإنس وغيرهم من مخلوقات الأرض والسماء على حد سواء، وثمرته راحة الإنسان وسعادته وتجنبه للعقبات الحسية والمعنوية التي تعيق سيره .
ـ فيه التضرع إلى الله والتذلل إليه والتوجه له بالحمد الذي هو أفضل الدعاء وأحب الكلام إليه سبحانه وأفضله إليه، وهو اللفظ الذي تم منه اشتقاق أسماء حبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وثمرته الشعور الحق بمقام العبودية بما فيها من ضعف وعجز وتقصير وغيرها.
ـ فيه طلب الثبات على الإخلاص ودوام الاستقامة لتستوي سريرة المريد مع علانيته في طاعة الله.
ـ فيه طلب الحصول على خير السكن وخير ما خلق له طوال مدة إقامة الشخص فيه ما لم يرتحل.
ـ فيه التحصن من كافة أنواع الضرر والفجاءة والبلاء بما فيها الأضرار المترتبة على تناول الطعام.
ـ فيه إعلان الافتقار إلى الله والتبرئ من الحول والقوة إلا من الله والأخذ بالأسباب المؤدية إلى الجنة.
ـ فيه التأكيد على المواظبة على الاستغفار الجامع إذ لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
ـ فيه التأكيد على غرس روح الصلاة ومراعاة إقامتها في أوقاتها المشروعة باعتبارها عمود الدين.
ـ فيه التأكيد على اغتنام الفرص والنفحات للحصول على المحبوبية والقرب بالمواظبة على آية الخلة.
ـ فيه تدارك واستكمال ما يفوت الشخص من عمل اليوم كي لا يكون عليه حسرة يوم القيامة.
ـ فيه تحقيق الحد الأدنى لاعتبار المريد ذاكرا مع العزم على الاكتيال بالمكيال الأوفى
ـ فيه الحصول على الأجر إلى حد إتعاب سبعين ألف كاتب من الملائكة كل صباح ومساء.
ـ فيه محاولة التخلق بأخلاق الصالحين والتماس خطاهم واقتفاء آثارهم بالمداومة على دعاء الأبدال.
ـ فيه الاستمداد من آية العز ليدخل المريد تحت ظلال قوله تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.
ـ فيه ترسيخ مبدأ تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بتسييده اعترافا له بالفضل الجميل.
ـ فيه ترسيخ مبدأ محبة آل البيت بالمواظبة على الصلاة عليهم حبا في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بكلمــــــــة جامعة،
إنك أخي المسلم، أخي المريد الراغب في السير والسلوك إلى الله تعالى، إنك بالمواظبة على الوظيفة بصفة عامة، وعلى حزب الفلاح بصفة خاصة، فإنك تحقق الحد الأدنى من الأمر الإلهي، يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا، كما أنك تحقق أيضا مجموعة من المصالح والمنافع سواء الدنيوية منها أو الأخروية، وخصوصا أنك تذلل عقبات السير والسلوك لتبلغ المراد. إنك أخي الذاكر بحاجة إلى عدة أمور منها:
ـ ترسيخ عقيدة التوحيد صافية نقية ليصح السير، وهذا يتحقق بالمداومة على ذكر: وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ...
ـ التحدث بنعمة الله الذي أكرمنا بالإسلام وبهمة التشوف والتشوق إلى مرتبة الإحسان، وهذا يتحقق بالمداومة على ذكر: الحمد لله الذي هدانا لهذا ...
ـ الإيمان بصدق الرسالات السماوية والتسليم بصحتها كما أنزلت من عند الله، وهذا يتحقق بالمداومة على ذكر: لقد جاءت رسل ربنا بالحق،
ـ الاعتراف بفضل رسول الله الذي أخرجنا الله على يديه من الظلمات إلى النور، وهذا يتحقق بالمداومة على ذكر: جازى الله عنا سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل مما هو أهله.
ـ الثبات على الاستقامة التي هي أعظم كرامة، وهذا يتحقق بالمداومة على ذكر: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا..
ـ التحصن من كافة الآفات والشرور التي تصيب الإنسان عن طريق المخلوقات ما نعلم منها وما لا نعلم، وهذا يتأتى بالمداومة على ذكر: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
ـ التحصن من جميع أنواع السم والحمة، وهذا يتأتى عن طريق ذكرك: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الارض ولا في السماء وهو السميع العليم.
وهكذا مع باقي الأذكار المكونة للحزب، من تسبيح واستغفار وهيللة على النحو الذي ذكرناه آنفا. وهذه الخيرات والفضائل كلها مجتمعة تتحقق بالمداومة على ذكر هذا الحزب المبارك، مرتين يوميا على الأقل، بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب. إنه، بالإضافة إلى الأجر العظيم الذي يحصل عليه الذاكر بهذا الحزب، وهو الجانب الذي لم أتطرق له خشية الإطالة، فإنه يحصل على كم هائل من المنافع والخيرات والحصانات المختلفة الجوانب.
فهل علمت أخي المسلم،أختي المسلمة، أخي المريد، لماذا حدد الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد (سيدي الشيخ ) مبدع الطريقة الشيخية هذا الحزب المبارك وجعله العنصر الأساسي في وظيفة طريقته المباركة، وحفز مريديه على الإتيان به بانتظام...
....إشارة أخيرة، إن هذا الحزب المبارك، وإن كان من مكونات الوظيفة الشيخية فهو ليس حكرا على المريد الشيخي، بل هو ذكر عام يمكن لكل من أراد أن يستفيد من هذه الخيرات أن يذكر منه ما شاء، والأجدى به أن يتخذه وردا يوميا على النحو الذي ذكرنا حتى يستفيد منه على وجه التمام.
والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين.
هوامش إشارات حزب الفــــــــلاح:
16 =: سورة المومنون الآية 35 17 = سورة المجادلة الآية 22
18 = سورة الفرقان الآية 59 19 = سورة فاطر الآية 14
20 = سورة التوبة الآية 119 21 =سورة لقمان الآية 15
22 = سورة العنكبوت الآية 69 23 = سورة الكهف الآية 17
24 = سورة الفاتحة الآيتين 5 و 6 25 = سورة التوبة الآية 30
26 = سورة البقرة الآية 116 27 = أنظر تفسير ابن كثير
28 = السيوطي في الدر المنثور والزرقاني في المقصد وصاحب أسنى المطالب،
29 = سورة الأنعام الآية 152 30 = سورة الكهف الآية 65
31 = سورة فاطر الآية 10 32 = سورة الحج الآية 78
تحقيق خادم الطريقة الشيخية بفرنسا مصطفى حاكمي
شرح حزب الفلاح
نصــوص الوظيفة الشيخيــــــة: للباحث الدكتور أحمد بن عثمان .