بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين

ترجمة مختصرة لشيخنا سيدي محمد بن عبد الرحمن الزاوي رحمه الله

ترجمة مختصرة للشاعر المجاهد مقدم الطريقة الشيخية سيدي محمد بلخير ( الاغواط كسال) رحمه الله.


قبل الخوض في حياة الشاعر والمجاهد محمد بلخير، يجب التنويه بما قاله العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس في حق الشاعر "عربية لغته صاف شعره، مثالي كفاحه". أيضا المفكّر والأديب جاك بارك قال إنه منشد للشجاعة البدوية، أمل الأبدي يقدم لنا في إشكال صفية رسالة اليوم والغد... وينفرد الشاعر محمد بلخير عن غيره من شعراء الملحون، أمثال بن كريو، الخالدي، بن طيبة، مصطفى بن إبراهيم وغيرهم.

وتجسّدت روح البطولة في محمد بلخير، فمثّلها بفنه شعرا وبسيفه مقاوما وذلك لما رسخ فيه من قناعة أن لا خير في من لا يخدم دينه ووطنه، حيث كانت أشعاره من مدح وغزل وهجاء تعكس كلها اتجاها وطنيا قلما نجده عند الشعراء الآخرين، إضافة إلى تميّز معجمه الشعري من حقول دلالية جعل من شيخه الشيخ سيدي بوعمامة قطبا يعوّل عليه في تحقيق النصر

الشـــاعر محمــد بلخيــر

هو محمد بلخير بن قدور. من قبيلة الرزيقات فرع أولاد داود ، ولد حسب التقديرات ما بين ( 1830م. و 1832م ) بوادي المالح ، ضواحي عين تموشنت ( الجزائر). أي أنه ولد مع بداية الإحتلال الفرنسي للجزائر ، ويستدل على ذلك من قوله:

الروم أنفاضها تزعل = وأنا في ضربة الزيادة.

وقبيلة الرزيقات التي نشأ بها الشاعر هي إحدى مجموعة قبائل " أغواط كسال" توجد مضاربها إلى الشرق من مدينة البيض تعيش حياة البداوة التي تتميز بالحل والترحال، والإيواء في الخيام ، وممارسة حرفة الرعي والفروسية ونظم الشعر فالشاعر محمد بلخير الذي عاش طفولته وبعض مراهقته في الشمال إلا أنه شب على نمط حياة قبيلته وتأثرت شخصيته بوسطها الذي يتصف أهله رغم قساوته بخصال وشمائل كثيرة كالكرم والوفاء بالعهد وحب الحرية ،

والصبر على الشدائد والذود عن الأرض والعرض ، ومقارعة الظلم مهما كان مصدره ، فأكسبته هذه البيئة كثيرا من التجارب والخبرات ، التي يتمتـع بها أهل منطقتـه مما نما من مداركه ، وصقل موهبته فتفتحت قريحته الشعرية منذ أن تحركت فيه الأحاسيس والمشاعر الوجدانية وتدفقت عواطفه سيلا من الكلام الموزون المعبر.


وقد تميزت مرحلة الشباب من حياته بنظمه لأشعار الغزل الذي أبدع فيه أروع القصائد مصورا فيها جمال المرأة البدوية. وكان لتنقلاته الكثيرة خلال هذه الفترة في مناطق الهضاب العليا وبين الصحراء والتل ( الشمال ) ، ومجالسته الفقهاء والعلماء ، وأهل الرأي والحكمة الأثر البارز في إكتسابه لكثير من المعلومات والمعارف في الشريعة والتصوف والتاريخ رغم بساطته وهو يعترف بذلك في قوله:

ما أقريت مع الطلبة بن عشير = أولا كتاب بن خلدون جافي يدي.

في نفس الوقت يبين أنه متعلم بما منحه الله من ذكاء وفطنة وموهبة وبما ألهمه من معارف حيث يقول

أقريت بلا كتوب من عند الرحمان = ما زينها يا الناس طاعة.

لما بلغ سن النضج و الإتزان العقلي تناول شعره أغراضا أخرى كالمديح الذي نظم فيه قصائد كثيرة تضمنت التوحيد ، مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم و مدح شيخه سيدي الشيخ عبد القادر بن محمد مؤسس الطريقة الشيخية الشاذلية فقد كان من أتباع هذه الطريقة ومن اخص مقاديمها ، وكان إرتباطه بالطريقة الشيخية قويا جدا كما يظهر ذلك في الكثير من أشعاره .

للشاعر محمد بلخير مواقف وطنية كبيرة جراء تأثّره بما كان سائدا آنذاك من ظلم واستبداد من طرف الاستعمار الفرنسي، بحيث كان دائم التساؤل "كيف يحق لهؤلاء الأجانب أن يقيموا بهذه الأرض الطاهرة؟، وهل هناك من حل لهذا الوضع"؟، ولم يجد الإجابة إلاّ في مقاومة أولاد سيدي الشيخ، التي كان لها الأثر الكبير في نفس الشاعر، حينها أيقن أنه لا يمكن أن يكون له مكان إلاّ بين هؤلاء المجاهدين، فوهب نفسه مجاهدا في سبيل الله لنصرة الدين والوطن، حيث شارك في جل ثورات أولاد سيدي الشيخ ( الطريقة الشيخية) و القبائل التابعة لها في 08 أفريل 1864 ضد الوجود الفرنسي بالجهة.

كان له دورا بارزا في هذه المقاومة ، فقد كان لسان حالها ، و قـام بدور و مهمة وسيلة الإعلام لها ، وذلك من خلال فخره ببطولات الثوار و الإشادة بإنتصاراتهم علـى الفرنسييـن و الرد على الخونة و القاعدين و التشنيـع بهــم ،و إلهاب حماس الأهالي لدفعهم إلى الإلتحاق بالجهـاد لمقارعـة المستعمر .

من موقفه الرجولي والشجاع من القاضي محمد بن عطا الله الذي أصدر فتوى مفادها أنّ المجاهدين خارجون عن الشرع والقانون وجب عدم اتباعهم، فرد عليه بقصيدة يقول في أحد مقاطعها:

قولوا لعطا الله واش كلفك يا حزين = لاش تعاشي من لا لداهم قران

تغتب فينا واحنا عليك مفضلين = عسل النحلة ما هو لداه قطران.

وظل يخوض مع رفاقه الثوار تحت رئاسة الشيخ سيدي لعلا وابناء اخيه، سيدي سليمان بن حمزة وسيدي محمد بن حمزة وسيدي احمد بن حمزة و سيدي قدور بن حمزة. المعركة تلو الأخرى حتى توقيع عقد صلح بريزينة في 20 ماي 1883 بين بعض زعماء الثوار و السلطات الفرنسية .

لإنهاء القتـال بين الطرفيـن ، وقـد رفض محمـد بلخيـر هذا الصلـح جملـــة وتفصيلا ، فسافر إلى المنيعة سعيا لحشد الأنصار و جمع المال و السلاح لتجديد الثورة ، ومواصلة الجهاد و لكنه فشل في ذلك .
و لما عاد إلى المنطقة ظل مختفيا عن الفرنسيين و أعوانهم حتى تم القبض عليه حوالي سنة 1886 و نفي إلى كالفي بجزيرة كورسيكا بقرار حكومي في 18 جانفي 1887 بتهمة "العصيان" و التحريض على الثورة ضد الوجود الفرنسي في المنطقة .

وقد نظم في سجنه قصائد عديـــدة ، كان يذوب فيها شوقـــا وحنينــا إلـى الأهــل و الوطن و شيخه سيدي الشيخ واحفاده أبو المجاهدين سيدي حمزة بن بكار وأولاده، ثم مقاومة الشيخ سيدي بوعمامة. مسترجعا ذكرياته مع رفاقه الثوار و المعارك التي خاضوها ضد الفرنسيين و الإنتصارات التي أحرزوها عليهم في الكثير من مواقع النزال .منها :

الله يا المولى تجعل لي أسباب = وتدير حاجتي عند ألي نبغيه
يا عالم الخفية مفتاح لكل باب = الشيخ بوعمامة إلي رضيه
سلاك من حصل ساعة حك الركاب = الشيخ وين كان المغبون يجيه.

ثم قوله :

حمزة بوسكين سقام الميعاد = من جاته ساعته يواسي فيها هاك
حمزة طوعها سلاطين وقياد = من بر السودان لكراسي الأتراك
اضنات الياقوت في قاسح الأزناد = سلسلة ذهب باقية من ذاك لذاك
سيدي وانا خديمكم على الأجداد = لو داري بالضر نلقاه ونهداك .

ثم قوله:

هذوا اولاد حمزة الأبلج = عالي على الرجوع مقامه
سلاك من بغى يتعوج = قتال كل سم بسمه.

ثم قوله:

بوعمامة شيخ صلاح معلوم= بوعمامة مول سطوة وصبار
باع نفسه لله بالدين والصوم = بوعمامة يعطي تسبيح الأذكار .
بوعمامة سره في الناس معلوم = ظاهر وباطن يعرفها بالأجهار.

مكث الشاعر محمد بلخير في سجنه سبع سنوات و سبعة أشهر ، و أطلق سراحه حوالي سنة 1895 ، و لم يقل أية قصيدة بعد عودته إلى المنطقة و توفي بعد ذلك ببضـع سنـوات حوالي ( 1898م ..و..1905م ). بعد حيـاة مليئـة بالجهــاد فــي سبيــل الله و الوطن .

دفن بعد وفاته في " تيغست " ضواحي بوعلام ، و بعد الإستقلال نقلت رفاته إلى مقبرة الشهداء ببوعلام ليعاد دفنه فيها و تخليدا له كشخصية ثقافية وجهادية نظمت لــــه ولايـــة البيض ( الجزائر). عدة مهرجانــات و اسابيـع ثقافيــة ، و كان إنتاجـه شعــري و تاريخه النضالي محل إهتمـام الباحثين و الدارسين الذين تناولــوا حياته كشاعــر كبيـر و مجاهد بطل قاوم الإستعمار بسيفه و لسانه فكان رمزا للتضحية و الوفاء .

( قيل إنه حين تزوج كان عمره 20 سنة من امرأة تنتمي لقبيلة المناصر تدعى: السيدة فاطنة بنت بوقفدة ، وأنجب الكثير من الأبناء ، منهم: السادة: لخضر ، الشيخ ، فاطمة ، عبد القادر ، وتذكر بعض الروايات أنه تزوج مرتين.)

رحم الله الشيخ المجاهد محمد بلخير وأسكنه فسيح جنانه آمين .

سرج المجاهد الشاعر سيدي محمد بلخير

سرج المجاهد الشاعر سيدي محمد بلخير

****************************

ضريح سيدي محمد بلخير . روضة الشهداء بلدية بوعلام ( الجزائر)

ضريح سيدي محمد بلخير . روضة الشهداء بلدية بوعلام ( الجزائر )

بحث وتحقيق مقدم الطريقة الشيخية

حاكمي مصطفى البوشيخي.

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004