اللهم صل وسلم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين
الفرق بين الكرامة والإستدراج ـ موقف الصحابة من الكرامات
كثر تساؤل الناس في هذا الزمان عن الكرامات ؛ هل هي ثابتة في الشرع ؟ هل لها دليل من الكتاب والسنة ؟ ما هي الحكمة من إِجرائها على يد الأولياء والمتقين ؟ .. إِلخ. وبما أن موجات الإِلحاد والمادية، وتيارات التشكيك والتضليل قد كثرت في هذا الوقت، فأثرت في عقول كثير من أبنائنا، وأضلَّت العديد من مثقفينا، وحملتهم على الوقوف من الكرامات موقف المنكر الجاحد، أو الشاكِّ المتردِّد، أو المستغرب المتعجب نتيجة لضعف إِيمانهم بالله وقدرته وقلة تصديقهم بأوليائه وأحبابه.
فلا يسعنا إِلا أن نعالج هذا الموضوع إِظهاراً للحق، ونصرة لشريعة الله تعالى.
إِثبات الكرامات:
لقد ثبتت كرامات الأولياء في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي آثار الصحابة رضوان الله عليهم، ومَنْ بعدهم إِلى يومنا هذا، وأقرها جمهور العلماءِ من أهل السنة والجماعة، من الفقهاء والمحدِّثين والأصوليين ومشايخ الصوفية، وتصانيفُهم ناطقة بذلك، كما ثبتت كذلك بالمشاهدة العيانية في مختلف العصور الإِسلامية. فهي ثابتة بالتواتر في المعنى، وإِن كانت التفاصيل آحاداً ؛ ولم ينكرها إِلا أهل البدع والانحراف ممن ضعف إِيمانهم بالله تعالى وبصفاته وأفعاله [قال العلامة اليافعي رحمه الله تعالى: (والناس في إِنكار الكرامات مختلفون، فمنهم من ينكر كرامات الأولياء مطلقاً، وهؤلاء أهل مذهب معروف، عن التوفيق مصروف. ومنهم من يكذب بكرامات أولياء زمانه ويصدق بكرامات الأولياء الذين ليسوا في زمانه كمعروف الكرخي والإِمام الجنيد وسهل التستري وأشباههم رضي الله عنهم، فهؤلاء كما قال أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: والله ما هي إِلا إِسرائيلية، صدقوا بموسى وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنهم أدركوا زمنه. ومنهم من يصدق بأن لله تعالى أولياء لهم كرامات ولكن لا يصدق بأحد معيَّنٍ من أهل زمانه). روض الرياحين، للإِمام اليافعي ص18].
الدليل عليها من كتاب الله تعالى:
1ـ قصة أصحاب الكهف وبقائهم في النوم أحياء سالمين عن الآفات مدة ثلاثمائة وتسع سنين، وأنه تعالى كان يحفظهم من حر الشمس: {وتَرى الشمسَ إذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عنْ كهفِهِم ذاتَ اليمينِ وإذا غَرَبَتْ تقرِضُهُم ذاتَ الشمالِ} [الكهف: 17]. إِلى أن قال: {وتحسَبُهُم أيقاظاَ وهُمْ رُقودٌ ونُقلِّبُهُم ذات اليمين وذات الشمال وكلْبُهُم باسِطٌ ذراعيهِ بالوصيدِ} [الكهف: 18]. إِلى أن قال: {ولَبِثوا في كَهْفِهِم ثلاثمئةٍ سنين وازدادوا تسعاً} [الكهف: 25] [قال الإِمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى في تفسيره الكبير عند قصة أصحاب الكهف: (احتج أصحابنا الصوفية بهذه الآية على صحة القول بالكرامات وهو استدلال ظاهر، فنقول: الذي يدل على جواز كرامات الأولياء القرآن والأخبار والآثار والمعقول..) انظره مفصلاً في التفسير الكبير للعلامة فخر الدين الرازي ج5 ص682].
2ـ هزُّ مريم جذعَ النخلة اليابس، فاخضرَّ وتساقط منه الرُّطَبُ الجني في غير أوانه، قال تعالى: {وهُزِّي إليكِ بجذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عليكِ رُطَباً جنيّاً} [مريم: 25].
3ـ ما قص الله علينا في القرآن، من أن زكريا عليه السلام كان كلما دخل على مريم المحراب، وجد عندها رزقاً، وكان لا يدخل عليها أحد غيره عليه السلام فيقول: يا مريم أنَّى لك هذا ؟ تقول: هو من عند الله. قال الله تعالى: {كلَّما دخَلَ عليها زكريا المحرابَ وَجَدَ عندَها رِزْقاً قال يا مريمُ أنَّى لكِ هذا قالَتْ هوَ مِنْ عندِ اللهِ} [آل عمران: 37].
4ـ قصة آصف بن برخيا مع سليمان عليه السلام على ما قاله جمهور المفسرين في قوله تعالى: {قالَ الذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ أنا آتيكَ بهِ قبْلَ أنْ يرتَدَّ إليكَ طرفُكَ} [النمل: 40]. فجاء بعرش بلقيس من اليمن إِلى فلسطين قبل ارتداد الطرف.
الدليل عليها من السنة الصحيحة:
1ـ قصة جُرَيْجٍ العابد الذي كلمه الطفل في المهد. وهو حديث صحيح أخرجاه في الصحيحين [عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لم يتكلم في المهد إِلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إِسرائيل رجل يقال له جُرَيْج، كان يصلي فجاءته أمه، فدعتْه، فقال: أُجيبُها أوْ أصلي ؟ فقالت: اللهم لا تمتْه حتى تريه وجوه المومسات. وكان جريج في صومعته فتعرّضت له امرأة وكلمته ؛ فأبى. فأتت راعياً، فأمكنته من نفسها، فولدت غلاماً، فقالت: من جريج. فأتوه فكسروا صومعته، وأنزلوه وسبّوه، فتوضأ وصلّى، ثم أتى الغلام ؛ فقال: مَن أبوك يا غلام ؟ فقال: الراعي. قالوا: نبني صومعتك من ذهب ؟ قال: لا، إِلا من طين.."].
2ـ قصة الغلام الذي تكلم في المهد [وهذا تمام الحديث المذكور آنفاً: ".. وكانت امرأة ترضع ابناً لها من بني إِسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه". قال أبو هريرة: كأني أنظر إِلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إِصبعه. "ثم مرَّ بأمَة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها. فقالت: لِمَ ذاك ؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمَة يقولون: سرقت، زنت، ولم تفعل". رواه البخاري في صحيحه في كتاب ذكر بني إِسرائيل، واللفظ له. ومسلم في كتاب بر الوالدين].
3ـ قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار، وانفراج الصخرة عنهم بعد أن سَدَّتْ عليهم الباب. وهو حديث متفق عليه [وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم، حتى أووا المبيت إِلى غار، فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل، فسدت عليهم الغار، فقالوا: إِنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إِلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبِق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي في طلب شيء يوماً، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبْتُ لهما غبُوقهما، فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثْتُ والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برِقَ الفجر، فاستيقظا، فشربا غبوقهما. اللهم إِن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك فَفَرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة. فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج". قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وقال الآخر: اللهم إِنه كانت لي بنتُ عم، كانت أحب الناس إِلي، فأردتها على نفسها، فامتنعت مني: حتى ألمَّتْ بها سنة من السنين فجاءتني، فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلتْ، حتى إِذا قدرتُ عليها قالت: لا أحل لك أن تفضَّ الخاتم إِلا بحقه، فتحرَّجْتُ من الوقوع عليها فانصرفْتُ عنها وهي أحب الناس إِلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها. اللهم إِن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرجْ عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها". قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء، فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهبَ، فثمَّرتُ أجرَه، حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله! أدِّ إِليَّ أجري، فقلت له: كلُّ ما ترى من أجرك من الإِبل والبقر والغنم والرقيق فقال: يا عبد الله: لا تستهزىء بي. فقلت: إِني لا أستهزىء بك. فأخذه كله، فاستاقه، فلم يترك منه شيئاً. اللهم فإِن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرجْ عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون". أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الإِجارة واللفظ له، ومسلم في كتاب الذكر].
4ـ قصة البقرة التي كلمت صاحبها. وهو حديث صحيح مشهور [روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل راكب على بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إِليه البقرة فقالت: إِني لم أُخلَق لهذا، وإِنما خلقت للحرث، فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمنْتُ بهذا أنا وأبو بكر وعمر". رواه البخاري في صحيحه في كتاب المزارعة، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، والترمذي في كتاب المناقب].
الدليل عليها من آثار الصحابة:
وقد نُقِل عنهم من الكرامات الشيء الكثير.
1ـ قصة أبي بكر رضي الله عنه مع أضيافه في تكثير الطعام، حتى صار بعد الأكل أكثرَ مما كان. وهو حديث صحيح في البخاري [أخرج البخاري: أن أبا بكر كان عنده أضياف، فقدم لهم الطعام فلما أكلوا منه ربا من أسفله حتى إِذا شبعوا قال لامرأته: (ياأخت بني فراس ما هذا ؟ قالت: وقرة عيني لهي [تعني القصعة] أكثر منها قبل أن يأكلوا.. إِلى آخر القصة].
2ـ قصة عمر رضي الله عنه، وهو على منبر المدينة ينادي بقائده: يا سارية الجبل! وهو حديث حسن [انظر الحديث ص 344].
3ـ قصة عثمان رضي الله عنه مع الرجل الذي دخل عليه، فأخبره عما أحدث في طريقه من نظره إِلى المرأة الأجنبية. الحديث [انظر الحديث ص 346].
4ـ سماع علي بن أبي طالب رضي الله عنه كلامَ الموتى. كما أخرجه البيهقي [أخرج البيهقي عن سعيد بن المسيب قال: (دخلنا مقابر المدينة مع علي رضي الله عنه، فنادى: يا أهل القبور السلام عليكم ورحمة الله، تخبرونا بأخباركم أم نخبركم ؟ قال: فسمعنا صوتاً: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين خبِّرنا عما كان بعدنا. فقال علي: أما أزواجكم فقد تزوجن، وأما أموالكم فقد اقتُسمت، والأولاد قد حُشِروا في زمرة اليتامى، والبناء الذي شيدْتم فقد سكنه أعداؤكم، فهذه أخبار ما عندنا، فما أخبار ما عندكم ؟ فأجابه ميت: قد تخرَّقت الأكفان، وانتثرت الشعور، وتقطعت الجلودَ، وسالت الأحداق على الخدود، وسالت المناخر بالقيح والصديد، وما قدَّمناه وجدناه وما خلَّفناه خسرناه، ونحن مُرْتَهنون)].
5ـ قصة عبَّاد بن بشر وأسيد بن حضير رضي الله عنهما اللذيْن أضاءتْ لَهمَا عصا أحدهما عندما خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة. وهو حديث صحيح أخرجه البخاري [أخرج الحاكم في كتاب معرفة الصحابة وصححه والبيهقي وأبو نعيم وابن سعد، وهو في البخاري من غير تسمية الرجلين: "أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما كانا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة حتى ذهب من الليل ساعة، وهي ليلة شديدة الظلمة، خرجا وبيد كل واحد منهما عصا فأضاءت لهما عصا أحدهما فمشيا في ضوئها، حتى إِذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه، فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله"].
6ـ قصة خبيب رضي الله عنه في قطف العنب الذي وُجدفي يده يأكله في غير أوانه. وهو حديث صحيح [أخرج البخاري في صحيحه في باب غزوة الرجيع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن خبيباً كان أسيراً عند بني الحارث بمكة، في قصة طويلة، وفيها أن بنت الحارث كانت تقول: (ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب، وما بمكة يومئذ ثمرة وإِنه لموثَق في الحديد، وما كان إِلا رزق رزقه الله)].
7ـ قصة سعد وسعيد رضي الله عنهما، وهي أن كلاً منهما دعا على من كذب عليه، فاستجيب له. أخرجه البخاري ومسلم [الأول منهما: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقد أخرج الشيخان والبيهقي من طريق عبد الملك بن عمير عن جابر رضي الله عنه قال: شكا ناس من أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إِلى عمر (فبعث معه من يسأل عنه بالكوفة، فطِيف به في مساجد الكوفة، فلم يُقل له إِلا خير حتى انتهى إِلى مسجد، فقال رجل يُدْعى أبا سعدة: أما إِذ أنشدتنا فإِن سعداً كان لا يقسم بالسوية ولا يسير بالسرية ولا يعدل في القضية، فقال سعد: اللهم إِن كان كاذباً فأطلْ عمره، وأطل فقره وعرضه للفتن، قال ابن عمير: فرأيتُه شيخاً كبيراً قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وقد افتقر يتعرض للجواري في الطريق يغمزهن، فإِذا قيل له: كيف أنت ؟ يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد).
والثاني: سعيد بن زيد رضي الله عنه. فقد أخرج مسلم في كتاب المساقاة عن عروة بن الزبير رضي الله عنه: (أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئاً من أرضها فخاصمته إِلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: وما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طُوِّقه إِلى سبع أرضين" فقال له مروان: لا أسألك بَيِّنَةً بعد هذا. فقال: اللهم إِن كانت كاذبة فَعَمِّ بصرها واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينا هي تمشي في أرضها إِذ وقعت في حفرة فماتت)].
8ـ قصة عبور العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه البحر على فرسه ونبع الماء بدعائه. أخرجه ابن سعد في الطبقات [كان أبو هريرة يقول: (رأيتُ من العلاء بن الحضرمي ثلاثةَ أشياء لا أزال أحبه أبداً، رأيته قطع البحر على فرسه يوم دارينَ. وقدم من المدينة يريد البحرين، فلما كانوا بالدهناء نفد ماؤهم، فدعا الله فنبع لهم من تحت رملة، فارتووا وارتحلوا، وأنسي رجل منهم بعض متاعه، فرجع فأخذه ولم يجد الماء. وخرجتُ معه من البحرين إِلى صف البصرة فلما كنا بلِياسٍ مات ونحن على غير ماء، فأبدى الله لنا سحابة فمُطرنا فغسلناه وحفرنا له بسيوفنا ولم نُلْحِدْ له، فرجعنا لنُلْحِدَ له فلم نجد موضع قبره). الطبقات الكبرى لابن سعد. ج4. ص363].
9ـ قصة خالد بن الوليد رضي الله عنه في شربه السم. أخرجه البيهقي وأبو نعيم والطبراني وابن سعد بإِسناد صحيح [أخرج البيهقي وأبو نعيم عن أبي السفر قال: نزل خالد بن الوليد الحيرة، فقالوا له: احذر السم لا تسقيكه الأعاجم فقال: ائتوني به، فأخذه بيده وقال: بسم الله وشربه، فلم يضره شيئاً. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ج3. ص125].
10ـ إِضاءة أصابع حمزة الأسلمي رضي الله عنه في ليلة مظلمة. أخرجه البخاري في التاريخ [أخرج البخاري في التاريخ عن حمزة الأسلمي رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فتفرقنا في ليلة ظلماء، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا ظهرهم وما هلك منهم وإِن أصابعي لتنير). انظر تهذيب التهذيب ج3. ص30].
11ـ قصة أم أيمن وكيف عطشت في طريق هجرتها، فنزل عليها دلو من السماء فشربتْ. رواه أبو نعيم في الحلية [عن عثمان بن القاسم قال: (خرجت أم أيمن مهاجرة إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إِلى المدينة وهي ماشية ليس معها زاد وهي صائمة في يوم شديد الحر، فأصابها عطش شديد حتى كادت أن تموت من شدة العطش، قال: وهي بالروحاء أو قريباً منها، فلما غابت الشمس قالت: إِذا أنا بحفيف شيء فوق رأسي، فرفعتُ رأسي ؛ فإِذا أنا بدلو من السماء مدلَّى برشاء أبيض، قالت: فدنا مني حتى إِذا كان حيث أستمكن منه تناولْتُه فشربت منه حتى رويت، قالت: فلقد كنت بعد ذلك اليوم الحار أطوف في الشمس كي أعطش، وما عطشْتُ بعدها. أخرجه أبو نعيم في الحلية ج2. ص67].
12ـ سماع بعض الصحابة سورة الملك، من قبر بعد أن ضرب خباء فوقه. رواه الترمذي [عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإِذا فيه إِنسان يقرأ سورة {تبارك الذي بيده الملك} حتى ختمها،فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم. فقال يا رسول الله: إِني ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر، فإِذا فيه إِنسان يقرأ سورة تبارك الملك حتى ختمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر". أخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن، وقال: حديث حسن غريب].
13ـ تسبيح القصعة التي أكل منها سلمان الفارسي وأبو الدرداء رضي الله عنهما وسماعهما التسبيح. رواه أبو نعيم [أخرج البيهقي وأبو نعيم عن قيس قال: (بينما أبو الدرداء وسلمان يأكلان من صحفة إِذا سبَّحتْ وما فيها)].
14ـ قصة سفينة رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأسد. أخرجه الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية [عن محمد بن المنكدر أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ركبتُ البحر فانكسرتْ سفينتي التي كنت فيها، فركبْتُ لوحاً من ألواحها، فطرحني اللوح في أجمة فيها الأسد، فأقبل إِليَّ يريدني، فقلت: يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطأطأ رأسه وأقبل إِليَّ، فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة ووضعني على الطريق، وهمهم فظننت أنه يودعني، فكان ذلك آخر عهدي به). أخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب معرفة الصحابة ج3. ص606، وقال: صحيح على شرط مسلم. وأبو نعيم في الحلية ج1. ص368 وسفينة هو: قيس بن فروخ وكنيته أبو عبد الرحمن. ذكره ابن حجر في التهذيب ج4. ص125].
هذا غيض من فيض، وقليل من كثير مما ورد عن كرامات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم توالى ورود الكرامات الكثيرة على يد الأولياء في عهد التابعين وتابعي التابعين إِلى يومنا هذا، مما يصعب عده، ويضيق حصره [قال العلامة التاج السبكي في الطبقات الكبرى: للكرامة أنواع: النوع الأول إِحياء الموتى. 2ـ كلام الموتى. 3ـ المشي على الماء. 4ـ انقلاب الأعيان. 5ـ إِنزواء الأرض. 6ـ كلام الحيوانات والجمادات. 7ـ إِبراء العلل. 8ـ طاعة الحيوان. 9ـ طي الزمان. 10ـ نشر الزمان. 11ـ إِمساك اللسان عن الكلام وانطلاقه.. إِلى أن عد خمسة وعشرين نوعاً. وذكر لكل نوع مثالاً وحكاية جرت للعلماء ومشايخ الصوفية فراجعه هناك تجده مفصلاً]، وقد ألف العلماء في ذلك مجلدات كثيرة، وصنف أكابر الأئمة منهم مصنفات في إِثبات الكرامة للأولياء، منهم: فخر الدين الرازي وأبو بكر الباقلاني، وإِمام الحرمين، وأبو بكر بن فورك، وحجة الإِسلام الغزالي، وناصر الدين البيضاوي، وحافظ الدين النسفي، وتاج الدين السبكي، وأبو بكر الأشعري، وأبو القاسم القشيري، والنووي، وعبد الله اليافعي، ويوسف النبهاني، وغيرهم من العلماء المحققين الذين لا يحصى عددهم، وصار ذلك علماً قوياً يقينياً ثابتاً، لا تتطرق إِليه الشكوك أو الشبهات.
وقد يتساءل بعضهم: لماذا كانت كرامات الصحابة على كثرتها أقل من كرامات الأولياء الذين جاؤوا بعد عصر الصحابة ؟!.. ويجيب على ذلك تاج الدين السبكي في الطبقات بقوله: (الجواب: ما أجاب به الإِمام الجليل أحمد بن حنبل رضي الله عنه حين سئل عن ذلك، فقال: أُولئك كان إِيمانهم قوياً، فما احتاجوا إِلى زيادة شيء يقوون به، وغيرهم كان إِيمانهم ضعيفاً لم يبلغوا إِيمان أولئك فقووا بإِظهار الكرامات لهم) [جامع كرامات الأولياء للشيخ يوسف النبهاني البيروتي ج1. ص20].
الحكمة من إِجراء الكرامات على يد الأولياء:
اقتضت حكمة الله تعالى أن يكرم أحبابه وأولياءه بأنواع من خوارق العادات، تكريماً لهم على إِيمانهم وإِخلاصهم، وتأييداً لهم في جهادهم ونصرتهم لدين الله، وإِظهاراً لقدرة الله تعالى، ليزداد الذين آمنوا إِيماناً، وبياناً للناس أن القوانين الطبيعية والنواميس الكونية إِنما هي من صنع الله وتقديره، وأن الأسباب لا تؤثر بذاتها ؛ بل الله تعالى يخلق النتائج عند الأسباب لا بها، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.
وقد يقول معترض: إِن تأييد الحق ونشر دين الله لا يكون بخوارق العادات، بل يكون بإِقامة الدليل المنطقي والبرهان العقلي.
فنقول: نعم لابد من نشر تعاليم الإِسلام بتأييد العقل السليم والمنطق الصحيح والحجة الدامغة، ولكن التعصب والعناد يدعوان إِلى أن تخرق العادات بالكرامات كما اقتضت حكمة الله أن يؤيد أنبياءه ورسله بالمعجزات إِظهاراً لصدقهم، وتأييداً لهم في دعوتهم، وحملاً للعقول المتحجرة والقلوب المقفلة أن تخرج من جمودها، وتتحرر من تعصبها، فتفكر تفكيراً سليماً مستقيماً يوصلها إِلى الإِيمان الراسخ، واليقين الجازم. ومن هنا يظهر أن الكرامة والمعجزة تلتقيان في بعض الحِكَم والمقاصد، إِلا أن الفارق بينهما أن المعجزة لا تكون إِلا للأنبياء عليهم السلام، والكرامة لا تكون إِلا للأولياء، وكلُّ كرامة لولي معجزةٌ لنبي.
الفرق بين الكرامة والاستدراج:
لا بد من التنبيه إِلى الفرق بين الكرامة والاستدراج، وذلك لأننا نشاهد بعض الفسقة المنسوبين للإِسلام تجري على يديهم خوارق العادات؛ مع أنهم مجاهرون بالمعصية، منحرفون عن دين الله تعالى. فالكرامة لا تكون إِلا على يد وليٌّ، وهو صاحب العقيدة الصحيحة، المواظب على الطاعات، المتجنب للمعاصي، المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات، وهو الذي قال الله تعالى فيه: {ألا إنَّ أولِياءَ اللهِ لا خوفٌ عليهِمْ ولا هُمْ يحزَنُونَ . الذينَ آمنوا وكانُوا يتَّقونَ} [يونس: 62ـ63]. وأما ما يجري على يد الزنادقة والفسقة من الخوارق كطعن الجسم بالسيف وأكل النار والزجاج وغير ذلك، فهو من قبيل الاستدراج.
ثم إِن الولي لا يسكن إِلى الكرامة، ولا يتفاخر بها على غيره، قال العلامة فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير: (إِن صاحب الكرامة لا يستأنس بتلك الكرامة، بل عند ظهور الكرامة يصير خوفه من الله تعالى أشد، وحذره من قهر الله أقوى، فإِنه يخاف أن يكون ذلك من باب الاستدراج.
وأما صاحب الاستدراج، فإِنه يستأنس بذلك الذي يظهر عليه، ويظن أنه إِنما وجد تلك الكرامة لأنه كان مستحقاً لها، وحينئذٍ يحتقر غيره، ويتكبر عليه، ويحصل له أَمْنٌ مِنْ مكْرِ الله وعقابه، ولا يخاف سوء العاقبة، فإِذا ظهر شيء من هذه الأحوال على صاحب الكرامة دل ذلك على أنها كانت استدراجاً لا كرامة، فلهذا قال المحققون: أكثر ما اتفق من الانقطاع عن حضرة الله إِنما وقع في مقام الكرامات، فلا جَرَمَ أن ترى المحققين يخافون من الكرامات، كما يخافون من أنواع البلاء، والذي يدل على أن الاستئناس بالكرامة قاطع عن الطريق وجوه) ثم ذكرها حتى عدَّ إِحدى عشرة حجة، نذكر منها واحدة.
قال الإِمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى: (إِنَّ من اعتقد في نفسه أنه صار مستحقاً لكرامة بسبب عمله، حصل لعمله وقع عظيم في قلبه، ومَنْ كان لعمله وقع عنده كان جاهلاً، ولو عرف ربه لعلم أن كل طاعات الخلق في جنب جلال الله تقصير، وكل شكرهم في جنب آلائه ونعمائه قصور، وكلُّ معارفهم وعلومهم في مقابلة عزته حيرةٌ وجهلٌ، رأيت في بعض الكتب أنه قرأ المقرئ في مجلس الأستاذ أبي علي الدقاق قوله تعالى: {إليهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصالحُ يرفَعُهُ} [فاطر: 10]. فقال: علامةُ أن الحق رفع عملك أن لا يَبْقى عندك [أي عملك] فإِن بقي عملك في نظرك فهو مدفوع، وإِن لم يبق معك فهو مرفوع) ["تفسير الرازي" ج5. ص692].
وعلى هذا فإِننا حين نرى أحداً من الناس يأتي بخوارق العادات لا نستطيع أن نحكم عليه بالولاية، ولا يمكن أن نعتبر عمله هذا كرامة حتى نرى سلوكه وتمسكه بشريعة الله. قال أبو يزيد رحمه الله تعالى: (لو أن رجلاً بسط مُصلاَّه على الماء وتربَّعَ في الهواء فلا تغترُّوا به حتى تنظروا كيف تجدونه في الأمر والنهي) ["اللمع" للطوسي ص400].
موقف الصوفية من الكرامات:
إِن بعض المنحرفين عن الصوفية يدَّعي أن مقصد الصوفية من سيرهم هو الوصول إِلى الكرامات [من بينهم من دفعه الحقد الدفين والخلق الذميم إِلى التهجم على السادة الصوفية وتزييف كلامهم والدس عليهم، فجمع الأشياء التي دُسَّتْ على الصوفية وجعلها في كتاب له] وهم في هذا إِنما يُترجمون عما في نفوسهم من أمراض خبيثة وعلل دفينة ؛ مع أننا نرى الصوفية يهتمون بتزكية النفس وتخليصها من صفاتها المذمومة كالرياء والنفاق، وتحليتها بالصفات العالية، أن يكون سيره معهم بعيداً عن العلل والغايات، وألا يبتغي إِلا وجه الله تعالى ورضاه. كما نراهم يستترون من الكرامة بعداً عن شبهة الرياء.
قال الشيخ أبو عبد الله القرشي رحمه الله تعالى: (من لم يكن كارهاً لظهور الآيات وخوارق العادات منه كراهية الخلق لظهور المعاصي فهو في حقه حجاب، وسترها عليه رحمة، فإِنَّ من خرق عوائد نفسه لا يريد ظهور شيء من الآيات وخوارق العادات له، بل تكون نفسه عنده أقل وأحقر من ذلك، فإِذا فَنِيَ عن إِراداته جملةً فكان له تحقق في رؤية نفسه بعين الحقارة والذلة، حصلت له أهلية ورود الألطاف، والتحقق بمراتب الصديقين) [نور التحقيق لحامد صقر ص127].
وقال علي الخواص رحمه الله تعالى: (الكُمَّل يخافون من وقوع الكرامات على أيديهم، ويزدادون بها وجلاً وخوفاً لاحتمال أن تكون استدراجاً) [اليواقيت والجواهر لعبد الوهاب الشعراني ج2 ص113].
ثم إِن الصوفية يمنعون إِظهار الكرامة إِلا لغرض صحيح ؛ كنصرة شريعة الله أمام الكافرين والمعاندين [كما حدث مع الشيخ محي الدين بن عربي في قصته مع الفيلسوف، وهو يرويها لنا بقوله: (حضر عندنا سنة ست وثمانين وخمسمائة فيلسوفٌ ينكر النبوة على الحد الذي يثبتها المسلمون، وينكر ما جاءت به الأنبياء من خرق العوائد وأن الحقائق لا تتبدل، وكان زمن البرد والشتاء وبين أيدينا منقل عظيم يشتعل ناراً، فقال المنكر المكذب: إِن العامة تقول: إِن إِبراهيم عليه السلام أُلقي في النار فلم تحرقه، والنار محرقة بطبعها الجسوم القابلة للاحتراق، وإِنما كانت النار المذكورة في القرآن في قصة إِبراهيم عبارة عن غضب نمرود وحنقه، فهي نار الغضب. فلما فرغ من قوله قال له بعض الحاضرين [أي الشيخ محي الدين نفسه]: فإِن أريتك أنا صدق الله في ظاهر ما قاله في النار أنها لم تحرق إِبراهيم، وأن الله جعلها عليه ـ كما قال ـ برداً وسلاماً، وأنا أقوم لك في هذا المقام مقام إِبراهيم في الذبِّ عنه ؟ فقال المنكر: هذا لا يكون، فقال له: أليست هذه النار المحرقة ؟ قال: نعم. فقال: تراها في نفسك، ثم ألقى النار التي في المنقل في حِجْر المنكر، وبقيتْ على ثيابه مدة يقلبها المنكر بيده، فلما رآها لم تحرقه تعجب، ثم ردها إِلى المنقل، ثم قال له: قرّبْ يدك أيضاً منها، فقرَّبَ يده فأحرقته. فقال له: هكذا كان الأمر، وهي مأمورة، تحرق بالأمر وتترك الإِحراق كذلك، والله تعالى الفاعل لما يشاء. فأسلم ذلك المنكِرُ واعترف). الباب الخامس والثمانون ومائة من الفتوحات المكية ج2. ص371] وكإِبطال سحر الكافرين والضالين أو الفسقة المشعوذين الذين يريدون أن يضلوا الناس عن دينهم ويشككوهم في عقائدهم وإِيمانهم [ومن ذلك ما ذكره العلامة ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثية من أنَّ صوفياً ناظر برهمياً، والبراهمة قوم تظهر لهم خوارق لمزيد الرياضات، فطار البرهمي في الجو، فارتفعت إِليه نعل الشيخ ولم تزل تضرب رأسه وتصفعه حتى وقع على الأرض منكوساً على رأسه بين يدي الشيخ والناس ينظرون. انظر الفتاوى الحديثية لابن حجر ص222]. أما إِظهارها بدون سبب مشروع فهو مذموم، لما فيه من حظ النفس والمفاخرة والعجب.
قال الشيخ محي الدين رحمه الله تعالى: (ولا يخفى أن الكرامة عند أكابر الرجال معدودة من جملة رعونات النفس، إِلا إِنْ كانت لنصر دين أو جلب مصلحة، لأن الله تعالى هو الفاعل عندهم، لا هُمْ، هذا مشهدهم، وليس وجه الخصوصية إِلا وقوع ذلك الفعل الخارق على يدهم دون غيرهم ؛ فإِذا أحيا كبشاً مثلاً أو دجاجة فإِنما ذلك بقدرة الله لا بقدرتهم، وإِذا رجع الأمر إِلى القدرة فلا تعجب) [الباب الخامس والثمانون والمائة من الفتوحات المكية. كذا في اليواقيت والجواهر للشعراني ج2. ص117].
ثم إِن الصوفية يعتبرون أن أعظم الكرامات هي الاستقامة على شرع الله تعالى.
قال أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى في رسالته: (واعلم أن من أجلِّ الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعات، والحفظ من المعاصي والمخالفات) ["الرسالة القشيرية" ص160].
وذُكر عند سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى الكرامات فقال: (وما الآياتُ وما الكراماتُ ؟! أشياء تنقضي لوقتها، ولكن أكبر الكرامات أنْ تُبدّلَ خُلُقاً مذموماً من أخلاق نفسك بخُلق محمود) ["كتاب اللمع" للطوسي ص400].
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى: (الكرامة الحقيقية إِنما هي حصول الاستقامة، والوصول إِلى كمالها. ومرجعها أمران: صحة الإِيمان بالله عز وجل. واتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً ؛ فالواجب على العبد أن لا يحرص إِلاّ عليهما ولا تكون له همة إِلا في الوصول إِليهما. وأما الكرامة بمعنى خرق العادة فلا عبرة بها عند المحققين، إِذ قد يُرْزَقُ بها من لم تكتمل استقامته، وقد يُرْزَق بها المستدرَجون) وقال: (إِنما هي كرامتان جامعتان محيطتان ؛ كرامة الإِيمان بمزيد الإِيقان وشهود العيان، وكرامة العمل على الاقتداء والمتابعة ومجانبة الدعاوي والمخادعة، فمن أعطيهما ثم جعل يشتاق إِلى غيرهما فهو عبد مُفْتَرٍ كذاب، ليس ذا حظ في العلم والعمل بالصواب ؛ كمن أُكرم بشهود الملك على نعت الرضا فجعل يشتاق إِلى سياسة الدواب وخلع الرضا) [نور التحقيق ص128].
وقال الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله تعالى: (واعلم أن الكرامة على قسمين: حسية ومعنوية، ولا تعرفُ العامةُ إِلا الحسية ؛ مثل الكلام على الخاطر، والإِخبار بالمغيبات الماضية والكائنة والآتية، والأخذ من الكون، والمشي على الماء، واختراق الهواء، وطي الأرض، والاحتجاب عن الأبصار، وإِجابة الدعاء في الحال، ونحو ذلك. فالعامة لا تعرف الكرامات إِلا مثل هذا. وأما الكرامة المعنوية فلا يعرفها إِلا الخواص من عباد الله تعالى، والعامة لا تعرف ذلك وهي أن يُحفظ على العبد آداب الشريعة، وأن يُوفَّق لفعل مكارم الأخلاق واجتناب سفاسفها، والمحافظة على أداء الواجبات مطلقاً في أوقاتها والمسارعة إِلى الخيرات، وإِزالة الغل والحقد من صدره للناس والحسد وسوء الظن، وطهارة القلب من كل صفة مذمومة، وتحليته بالمراقبة مع الأنفاس، ومراعاة حقوق الله تعالى في نفسه وفي الأشياء، وتفقد آثار ربه في قلبه، ومراعاة أنفاسه في دخولها وخروجها، فيتلقاها بالأدب إِذا وردتْ عليه ويُخرجها وعليه حلة الحضور مع الله تعالى، فهذه كلها عندنا كرامات الأولياء المعنوية التي لا يدخلها مكر ولا استدراج) [الباب الرابع والثمانون ومائة من الفتوحات المكية ج2. ص369].
ثم إِن السادة الصوفية لا يعتبرون ظهور الكرامات على يد الولي الصالح دليلاً على أفضليته على غيره. قال الإِمام اليافعي رحمه الله تعالى: (لا يلزم أن يكون كلُّ مَنْ له كرامة من الأولياء أفضلَ من كل من ليس له كرامة منهم، بل قد يكون بعض مَنْ ليس له كرامة منهم أفضل من بعض مَنْ له كرامة، لأن الكرامة قد تكون لتقوية يقين صاحبها، ودليلاً على صدقه وعلى فضله لا على أفضليته، وإِنما الأفضلية تكون بقوة اليقين، وكمال المعرفة بالله تعالى) [كتاب نشر المحاسن الغالية لعبد الله اليافعي ص119].
كما أن الصوفية يعتبرون أن عدم ظهور الكرامة على يد الولي الصالح ليس دليلاً على عدم ولايته.
قال الإِمام القشيري رحمه الله تعالى في رسالته: (لو لم يكن للولي كرامة ظاهرة عليه في الدنيا، لم يقدح عدمها في كونه ولياً) وقال شيخ الإِسلام زكريا الأنصاري في شرحه لرسالة القشيري عند هذا الكلام: (بل قد يكون أفضل ممَّنْ ظهر له كرامات، لأن الأفضلية إِنما هي بزيادة اليقين لا بظهور الكرامة) [الرسالة القشيرية ص159].
والآن نشرع ان شاء الله تعالى في المقصود : من كتاب تقوية ايمان المحبين والصديقين وفراجة، في مناقب سيدي عبد القادر بن محمد بن سليمان بن أبي سماحة رحمه الله
من تأليف الفقيه العلامة الشريف سيدي أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر السكوني الفجيجي رحمه الله
2 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" يقول الكاتب رحمه الله
" ومن مناقبه رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة بل الفراديس منزله ومأواه ، ومنحه مشاهدته في كل ساعة ورضاه ، أنه بلغني سنة من السنين قدم الشيخ وصعد إتجاه " دبدو" شرق المغرب فلما وصل وحانت الصلاة، وأتى بعض الصفي يصلي فوقها " كذا" وعن يمينها وشمالها أشجار ، ولقيه من كان هناك بالزيارة، سوى فقيه رآه وإعترض عليه لأجل ما عليه من اللباس ، وركوبه العتاق من الخيل... ، فقال في نفسه، لا شك أن هذا بدعي، وأنه ليس من أولياء الله، بل هو من شيوخ العرب، ثم إن الشيخ تقدم للصلاة، وكبر، وكبر معه كل من هنالك، سوى الفقيه المتقدم بقي بارزا عن الشيخ، لم يدخل معه في الصلاة، فحين كبر الشيخ سمع ذلك الفقيه الأشجار كبرت لتكبير الشيخ، وركع الشيخ، فركعت معه الأشجار، وسجد فسجدت معه الأشجار، وسلم فسلمت معه الأشجار والفقيه يشاهد جميع ذلك
وسمع الفقيه الصفوة تقول: " الحمد لله الذي إستجاب لي فيما طلبته وتمنيته من صلاة علي "
فلما تبين له ذلك بالمشافهة " أي كلام الصفاة " ، لم يتمالك من نفسه " كذا " أن إنكب على ركبتي الشيخ ويديه يقبلهما، ويقول إنه تائب لله مما كنت عليه من إعتقاد السوء فيك يا سيدي ، وأخذ عنه ، وإتخذه شيخا، " من سبقت له العناية لم تضره الجناية
فهم القوم لا يشقى جليسهم، ولا يخيب من مدحهم وقصدهم، يقول أحد الصالحين : " ما رأيت أنفع للقلب من ذكر الصالحين
3 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام
العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
يقول المؤلف رحمه الله : وقد أخبرني بعض الثقاة أن بعض أولاد الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد رضي الله عنه : سيدي محمد الصديق، وسيدي أبي حفص رحمهما الله، حين قدما من الحجاز ودخلا مصر وذهبا لزيارة الولي الشهير سيدي زين العابدين بن محمد بن علي البكري رضي الله عنه
فأذن لهما بالدخول إليه، ووجدا بين يديه أبياتا فقال لهما " هذه أبيات لأبيكما سيدي عبد القادر بن محمد بن أبي سماحة ونصها
يقولون في الصحرا صلاة تركتها **** ولم يعلموا أني أصلي بمكة
أصلي صلاة الخمس في البيت دائما **** وهم يحسبون في البراري الفقيرة
وقال لهما الإمام زين العابدين أتحسبان أن أباكما لا يراه إلا أنتما ، وقد جاز علينا يوما بدرقته، وسألناه عن ذلك، فقال لنا " أريد أن أغيث أولادي في " برقة موضع بليبيا " من الطائفة الباغية
4 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام
العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
رسالة المجاهد الحاج سالم بن علي الشنطيط . له في أمر الجهاد من تونس
ومن مناقبه أن الحاج سالم كتب إليه ، يعني إلى سيدي عبد القادر بن محمد بما نصه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله
إلى الشامل الكامل الزاهد الورع الناصح، قطب زماننا، وشمس مغربنا، مولانا سيدي عبد القادر بن محمد بن سليمان بن أبي سماحة، أعاد الله علينا من بركاته
سلام الله عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، من عبيدكم السائل عنكم وعن كافة أحوالكم، الواقف ببابكم، المحافظ على عهدكم وطريقتكم، المجاهد في سبيل الله الحاج سالم بن الولي الصالح علي الشنطيط
وبعد، الذي نعرفكم به من أمورنا وأحوالنا لا تخفى عليكم يا من لا لبحره ساحل، عبدكم واقف بين أيديكم، ليس له حكم ولا إختيار يا سلطان الأولياء، إني أبتليت بأربع، الدنيا والهوى والنفس والشيطان، هم أربعة وأنا واحد، منهم الملوك، والملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، كما قال تعالى في الآية، والذي نعلمك به يا سيدي ، أني حين قدمت من عندكم وشاورتكم على الجهاد فأمرتني به فإمتثلت أمرك، فغزونا مرة ونحن ثلاثون رجلا، ثم إلتقينا مع خمسمائة كافر مقابلة مدينة " تمرون، تونس " فندهنا بك وقلنا لك نحاسبك بين يدي الله تعالى إن لم تغثنا وتنجينا من هؤلاء الكفار، ثم لقيناهم وصففنا لهم ، فخرجت علينا وبيدك سيف محلى بالفضة، ثم تقاتلنا معهم وحضر نصر الله معنا، فأسرنا منهم عشرين رقبة، فحمدنا الله على ذلك ثم عطشنا فإشتكونا لك فأتيتنا بماء فشربنا حتى روينا، ففضلت منه فضلة فقلنا لك هات إغسل يديك، ولم ترض بذلك، والآن يا سيدي ترانا قد أعطيناك ثلث الغنيمة، وكل ما أخذناه من الكفار فثلثه لك، ولا وجدنا من يأتيك به، ثم قلنا لسيدي أبي الغيث الغشاش، أحبسه عندك حتى تبعث إليه وكيلك، فإمتنع، وقال لنا إطرحوه حتى يصرف إليه، أو إبنوا به مسجدا للشيخ
وكتب عام ثمانية وألف 1008ه
الحاج سالم بن الولي الصالح علي الشنطيط لطف الله به آمين
أنظر يا أخي إلى الصدق أوصل أهله إلى السلامة والغنيمة على بعد المسافة، وهؤلاء في تونس وصدقوا في الشيخ، فنالوا بصدقهم فيه ما سمعت من السلامة والعافية والغنيمة، وكما قيل
وكم من بعيد الدار نال مراده ***** وكم من قريب الدار أصبح خائبا
5 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
يقول الكاتب رحمه الله
ومنها أن السيد عبد العزيز بن عمرو " كان من أصحاب الشيخ" أخبرني
أنه كان يأتي خادم الشيخ، ويقول له، قل للشيخ يدع الله أن يوسع علي في الرزق، وأنا في حال عسر، ثم اني أتيته يوما فوجدت سالما عنده، فقال له يا سيدي، هذا الرجل قد جاءني مرارا وطلب مني أن أقول لك تدعو الله ليوسع عليه المعيشة، قال السيد عبد العزيز، فلما قال له هذه المقالة، نظر الي الشيخ وقال لي : " اللهم من عليه بخير الدارين بلا محنة بفضلك، كما يليق بفضلك، والزيادة من فضلك في عافية بلا محنة
فقبل الله دعاءه ووسع على المدعو له غاية الوسع، وهو من أغنياء بلده
6 -- ومن كراماته أيضا :
أن الجراد هتف " أي حضر " سنة من السنين في البلدة الفجيجية في رمضان في زمان الصيف، والشيخ في البلد وبقي الناس يطردونه عن حوائطهم، فأبى الارتحال، وشرعت تفسد الثمار، وقد بلغهم من ذلك النصب والجهد الشديد، ثم ان والدي سيدي محمد بن عبد الرحمن السكوني " أي والد المؤلف"، بعث بعض أهل قصره الى الشيخ " للعباد " أي زاويته، وقال له قل للشيخ : " محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر السكوني، يقرئك السلام، ويقول لك أدع الله لنا أن يصرف عنا هذا الجراد" ، فذهب الرسول الى الشيخ وأعلمه، فنظر الى السماء فقال" الله" ، ثم ان ذلك الرجل رجع لقصره، ولم يصله حتى وجد الجراد قد ارتحل بكليته
7 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
يقول الكاتب رحمه الله
ومن مناقبه رضي الله عته، أن ولده سيدي ابن عيسى، حدثني أن والده سيدي عبد القادر بن محمد قال له : سنة من السنين، عبدت الله في القبور شهرين، في النهار آوي الى الجبل، وفي الليل أبيت في القبور، وخرج الي أهل تلك المقبرة وأخذوا عني السر وفيهم الشيخ عبد الكريم، ورجعوا الى حالهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عاشر قوما أربعين يوما تخلق بخلقهم. والله على ما نقول وكيل ولعنة الله على الكاذبين، وأتتني الشياطين ثلاث مرات وطردتهم في الثالثة، وجاءني اللعين ابليس وحده مطليا ( كذا) وجهه بالرماد، فقلت له لم تزل معي يا عدو الله، اذهب الى حالك، فذهب وهو يصيح، لو سمع صياحه الواقف لسقط من شدة صيحته ولا الحامل لأسقطت جنينها، ولا القاعد لسكر
8 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
يقول الكاتب رحمه الله
ومن مناقبه رضي الله عنه، أن بعض خدامه أتوه سنة من السنين، بلتمسون منه الدعاء الى أن استقروا بين يديه، وقالوا له أردنا أن تبشرنا كما بشرت الأشياخ بعض تلامذتهم، فقال أبشروا، هذا الذي أعطاكموه الله لم يعط لأحد في زمانكم، لم أخسر عليكم شيئا، الا أن أقول ارحمهم
يا رب فيرحمكم، وجميع من لم أسأل عنه وفرطت فيه من خدامنا وأولادنا، فليقبضني يوم القيامة من لحيتي، ويقول تعال يا من غرنا في الدنيا ولم يسأل عنا اليوم ولم يشفع فينا، ثم قال لهم : أصحاب الشيوخ وتلامذتهم، منهم من يمر على الصراط كالبرق الخاطف، ومنهم من يجوز كالريح العاصف، وكأجاويد الخيل، ومنهم من يجوز على الأرجل، وتبقى الحثالة، لا يستطيعون الجواز بحال فيأتيهم شيخهم، فكل شعرة فيه تنبت له ريشة، فيتعلق كل واحد بريشة، فيطير بهم شيخهم بأسرع من طرفة العين، فيسبق بهم كل مت كان قبلهم ببركة الشيخ
9 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
يقول الكاتب رحمه الله
ومن كراماته رضي الله عنه ونفعنا به أن الأمير زيدان وقع القتال بينه وبين أخيه الأمير محمد الشيخ سنة من السنين، فتقاتلا وتصادما ووقعت الحروب بينهما، ثم أن الأمير زيدان ظفر به أخوه وانكسر جيشه وبقي وحده، وقد أيس من نفسه لتكالب عدوه عليه، وقصدهم اياه، وانهم لا غنى لهم عنه، فلما رآهم لا محيد لهم عنه نادى بأعلى صوته " يا رجال الله " ، فلم يستتم كلامه الا وفارس قد جاءه في الحين، ونشر عليه القوم " كذا" وطردهم عنه، وقاموا بين يديه منهزمين، فأصاب نفسه " كذا" الأمير زيدان ورجع الى نحو ذلك الفارس حتى دنا منه، فقال له من تكون أيها الفارس الذي من الله علي بك، وأنقذني من عدوي، سر معي لتبيت عندي، فقال له الشيخ أنا من جهة المشرق، وأنا عبد القادر بن محمد بن أبي سماحة، وأهلي لم يكونوا مني ببعيد، واني رائح اليهم وهم في أعذار الشلالة الظهرانية
ومن هذه الكرامة والله أعلم كانت معرفة بين الشيخ وبين الأمير زيدان بن أحمد الذهبي
10 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
يقول الكاتب رحمه الله
ومن بركاته رضي الله عنه، أن السيد مزيان " وكان من كبار أصحاب الشيخ" أخبرني أن الشيخ قال له : " سقط ولد لأمه في بئر وادي درعة سنة من السنين، فصاحت تلك الأمة بالأولياء، فتسابقت اليها الأولياء، فسبقتهم لحمل ذلك الولد، قبل وصوله الى قاع البئر، فسقطت عمامة سيدي محمد الشرقي التادلاوي فأتيته بعمامته مع الولد لأمه في الحين، فقلت له خذ عمامتك يا شرقي، وحضر معنا كل ولي لله، حيا كان أو ميتا، وأقروا ببيعتي
11 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
يقول الكاتب رحمه الله
ومن مناقبه رضي الله عنه، أنه قال لبعض الفقراء، حين مرض والدي سيدي محمد بن سليمان، مرضه الذي توفي منه، أوصى أولاده بالمحبة بينهم والوصال، وقال لهم أولادي الصغار عبد القادر هو الوصي عليهم
فلما مات، أرادوا أن يقسموا تركته، فقلت لهم : " أنا وصي على اخواننا الصغار وأنا الذي أتولى عزل أسهمهم عندي ." فأبوا، فطلبت منهم الشرع وأن ينقادوا معي الى الحكم، فامتنعوا ولم يلتفتوا الى قولي فقلت لهم سيروا معي الى قبر والدنا فنناديه، فأينا جعله وصيا امتثلنا أمره، فغدونا الى قبره، فنادوه فلم يجبهم، ثم ناديته فأجابني وهم يسمعون، فقلت له أينا وصي على أولادك الصغار ؟
فقال لي أنت يا عبد القادر، فلما تبين لهم ذلك وتحققوه نفذوا وصيتي حينئذ
12 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
يقول الكاتب رحمه الله
ومن مناقبه رضي الله عنه، أن من أثق به أخبرني أن سيدي أبا مدين السويدي أخبره، وكان من كبار فقراء الشيخ، أنه قدم الى جهة المغرب لزيارة سيدي محمد الشرقي التادلاوي، وقصده لعله بتخذه شيخا لشهرته في المغرب الى أن بلغه وتبرك به وطلب منه التلقين، فقال له : " أنت لست من أصحابنا، بل أنت من أولاد ابن أبي سماحة ." ثم انه بقي عنده أياما الى أن أراد الرجوع الى وطنه فودعه الشيخ سيدي محمد الشرقي وأذن له بالرحيل وقال له :" ان أتيت الشيخ سيدي عبد القادر بن أبي سماحة اقرأه مني السلام وقل له الامارة بيني وبينك حين سقط ولد من ظهر أمه " أو امرأة الشك من الراوي" في بئر وادي درعة ، فصاحت يا رجال الله فتبادرنا لخلاصه فسبقتني اليه فسقطت عمامتي في البئر فأتيت بهما معا بسرعة " يعني بالولد والعمامة" فقلت لي خذ عمامتك يا الشرقي
13 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
يقول الكاتب رحمه الله
ومن مناقبه رضي الله عنه، أن بعض من كان ملازما لدائرته وحلقته، وكان ثقة بعتمد على قوله، أخبرني أن سيدي أحمد بن بودي رحمه الله، قال كنا يوما مع الشيخ جالسين بازاء النار، ثم ان تلك النار صوتت وتكلمت، فقال لنا الشيخ : " هل عرفتم وفهمتم ما تقول هذه النار ؟
فقلنا له لا معرفة لنا بذلك يا سيدي، فقال لنا : " تقول، من قال لا اله الا الله محمد رسول الله يحرم علي لحمه ودمه غير تارك الصلاة، وتارك الزكاة
وسيدي أحمد بن بودي المذكور يخبرنا بهذه الكرامة بمحضر الشيخ ونحن بازاء النار أيضا، وهي تفور فأشار الشيخ باصبعه الى الأرض ثلاث مرات فقال لنا : " هل فهمتم ما تقول هذه النار؟
فقلنا له لا، فقال لنا تقول حقا حقا حقا، " يعني الخبر المتقدم حقا
فأعلم أيها المحب أن مقالة الشيخ صادقة لاشك فيها، لأن العارف يسمع ألطاف الاشارة من أكناف العبارة، ألا ترى الى سؤال سيدنا الامام علي بن أبي طالب كرم الله وحهه بعض أصحابه حين سمع ناقوسا عما يقول، فقالوا لا علم لنا بذلك، فقال لهم يقول :" سبحان الله حقا حقا، ان المولى صمد يبقى." وقال أبوعثمان الصوفي المغربي المتوفي سنة 373ه. رضي الله عنه قال
" من لم يسمع من صوت الطيور وصرير الباب وتصفيق الرياح فهو مغتر مدع
14 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
يقول الكاتب رحمه الله
ومن مناقبه رضي الله عنه، أن بعض الفقهاء كانوا يقرؤون عنده في صحيح البخاري، ثم انهم يوما اشتغلوا بذكر سيدي أحمد بن عبد الله بن القاضي المحلي، وذلك حين قدم بجيوشه لجهة المغرب، فهم في ذلك الكلام، اذا بالشيخ خرج اليهم من منزله الى المنزل الذي يقرؤون فيه، فقال لهم :" اشتغلوا بما يعنيكم، فليس هنا ما يشوشكم، أما سمعتم ما يقول المنادي ؟ فقالوا له ما سمعنا شيئا، ولكن أخبرنا بما يقول، فقال لهم يقول
فاضت أبحور لا أدريتم بها """"" من لامني ما رأى أشهود الغيب
حج أوثق أمر الله بها """""" لا بدها بد الخبر أطيب
15 - ومن كراماته أيضا :
أن الشيخ قال لوالد المؤلف سيدي محمد بن عبد الرحمن السكوني الحسيني الفجيجي .
قال له : " اقبض أخاك من المسير مع سيدي أحمد بن عبد الله بن القاضي ."
فقال له يا سيدي قبضته فأبى القعود، فقال له الشيخ : " ودعه وداع من لا يرى الى يوم القيامة
فكان الأمر كما أخبر الشيخ ذهب ولم يرجع، ومات هناك في " معركة يوم الكسرة
16 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
يقول الكاتب رحمه الله
ومن مناقبه رضي الله عنه وعن كافة شيوخه وأعاد علينا من بركاتهم، وذلك أن طائفة من المجاهدين تجاه المغرب، ذهبوا سنة من السنين قبل " مليلية" شمال المغرب لعلهم يجاهدون وتظهر لهم بعض الفلتات في الكفار، الى أن وصلوا مكانا هناك بقرب المدينة، فكمنوا ليعلفوا خيولهم، وهم ثلاثون فارسا، فأبصرهم بعض الكفار، وذهب لأهل ملته فأعلمهم وركبوا في حينهم ولم يفطن المسلمون حتى استداروا بهم من كل جانب، وحلقوا بهم، وقتلوا من المسلمين خمسة عشر رجلا، وأسروا الباقين، وفي جملة الذين أسروا فقيه من تلامذة الشيخ، وقطعوا الى البر الأقصى "الأندلس" وهو عند كونت الكفار أي" أميرهم "، ثم انه ركب يوما مع أولاد ذلك الكونت " أميرهم"، أي الفقيه المذكور، وخطر له في باله قتل ذلك الولد، ويفعل الله ما يريد، فعزم على قتله فقتله، فقام الصياح في المدينة " ألا ان أسير فلان قتل ولده
وجيئ بالفقيه فحددوه " أي وضع الحديد في يديه ورجليه " ، وأخرجوه لساحة البلد ينصبونه " أي يجعلونه غرضا للرمي "، فلما نصبوه وعزموا على قتله وأراد الرماة أن يرموه، نادى بأعلى صوته : " يا أولياء الله، يا عبد القادر بن محمد غررت بي
فلم يفرغ من كلامه واستغاثته حتى حضر عنده أربعة رجال : الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد، والشيخ محي الدين سيدي عبد القادر الجيلاني، والشيخ سيدي أبو يعزى، والشيخ سيدي أحمد بن يوسف الملياني رضي الله عنهم أجمعين، فقالت الشيوخ لسيدي عبد القادر بن محمد : " دونك واياه، لأنه تلميذك، وأنت من أبناء الدنيا
قتحزم الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد، وأخذه من عضديه، فمال به ذات اليمين فوضعه ثم رفعه فوضعه، فغابوا عنه، فوجد الفقيه نفسه عند باب القرويين " بفاس المحروسة" . فلما فرغ الناس من صلاة الجمعة خرجوا فوجدوا ذلك الفقيه على تلك الهيئة محددا، فأعلمهم بقصته، فبقوا يتعجبون، ثم انهم شرعوا في ذلك الحديد فلم يستطيعوا، ثم انهم حملوه بحديده الى المدينة " الحمراء مراكش " للأمير أحمد الذهبي بعدما شاع ذلك الخبر في المغرب، الى أن استقر بين يديه، وأعلمه الفقيه المذكور بقصته من أولها، فنظر بعض العلوج الى ذلك الحديد فتبسم، وقال للأمير، هذه صنعة أبي، ان كنت تسرحني أحله من حديده، فأجابه بنعم، فصنع مبردا رقيقا فلم يزل معه حتى أطلقه من حديده، فلما تبين للأمير أحمد الذهبي هذه الكرامة، شيع للشيخ كسوة جيدة وتنبيه الأنام " في الشمائل والسيرة النبوية والصلوات، تأليف العلامة التونسي عبد الجليل بن أحمد بن عظوم المرادي القيرواني المتوفي سنة 960ه ." مبوبا بماء الذهب وهو الآن عند ولد الشيخ أبي حفص، حفظه الله، وكتب الأمير للشيخ ليشيع له الاسم كي يتخذه شيخا، وكان يخدم الشيخ ويتكاتب معه الى أن مات، رحمه الله
أن الشيخ رضي الله عنه ممن جعل الله له الدنيا كداره، كما قال شيخه
سيدنا أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه
ومنا من له الشرق والغرب """" والآفاق بين يديه داره
17 من كرامات " الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد" أيضا: من كتاب " تقوية إيمان المحبين" للإمام العلامة الشريف سيدي أحمد السكوني رحمه الله
يقول الكاتب رحمه الله
ومن كراماته رضي الله عنه، أن ولده السيد ابن عيسى أخبرني أن أخاه الولي الصالح أبا حفص أخبره أنه قدم سنة الى الحج، فلما استقر بمكة شرفها الله تعالى، لقي يوما امام المسجد الحرام، فرحب به وكأنه قد عرفه قبل ذلك، وقال له، والدك سيدي عبد القادر بن محمد له كذا وكذا في القطبية، وهذا موضعه الذي كان يجلس فيه، ومتى صعبت علي مسألة نتوسل به الى المولى فيستجاب لي فيها ببركة والدك سيدي عبد القادر بن محمد
ومن كراماته رضي الله عنه أن ولده السيد ابن عيسى أخبرني أنه سمع والده يقول
" خصني الله على كثير من خلقه بخمس مسائل
الأولى : متى يتكلم أحد أسمه
والثانية : قد أطلعني الله على أسرار الخلق
والثالثة : قد أطلعني الله على كنوز الأرض، ظاهرها وباطنها
والرابعة : قد أطلعني الله على مياه الأرض ما كان على وجه الأرض وما بطن منها
والخامسة : متى كان أحد أراه
من كراماته
سافرأنه في حال صغره إلى الصحراء وهي تجرارين، ومعه بعض القوافل فأدرك بعض وزراء المغرب، ووافوا هنالك ليلة القدر، ثم إن ذلك الوزير طلب من يصلي بهم تلك الليلة، فأشير له إلى الشيخ، فطلب منه الوزير الصلاة بهم، فأجابه بالرضى، فتقدم وصلى بهم تلك الليلة، وجعل ختمة القرآن في تسليمة واحدة بسهولة وعدم الملل والتطويل، فلما فرغ من الصلاة شكر ذلك الوزير فعله وجازاه خيرا على صنيعه وقال له لولا ما حفظناه لقلنا لك لم تتمه، ثم إن ذلك الوزير حرر في وجهه على فعله جميع تلك القوافل ولم يأخذ منهم درهما كعادته.
من كراماته
- أنه قال لبعض خدامه" ياولدي الشيخ الذي لم تكن عنده أربعمائة مسألة لا ينبغي له أن يعطي السر لأحد فإن لم تكن عنده أربعمائة مسألة، فعشرها وهي أربعون مسألة، فإن لم تكن عنده أربعون مسألة فعشرها وهي أربعة، وتلك الأربع، يكون واحد من أولاده في أقصى القبلة والآخر في أقصى الجوف، والآخر في أقصى المشرق، والآخر في أقصى المغرب، فيموتون في ساعة واحدة فيحضر لجميعهم، فإن لم يحضر لجميعهم فليس بشيخ التلقين.
من كراماته
- أن ولي الله سيدي عمر بن كريمة القراري رحمه الله، رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وذلك في موعضه، فقال له أوصني يا رسول الله، فأوصاه بأشياء عديدة... وفي تلك الرؤيا قال: رأيت طريقا بيضاء وعليها رجل جالس يرد الناس إليها، فقلت يا رسول الله: ما إسم ذلك الرجل؟ فقال لي: عبد القادر بن محمد، والطريق طريقه، ومن خرج عن الطريق يرده إليها، ثم إن سيدي سليمان بن أبي سماحة، وسيدي أبا مدين وسيدي أبا يعزى جاؤوا إلى سيدي عبد القادر بن محمد وقالوا له: نعينك على هؤلاء القوم، فقال لهم الشيخ: أنا أقدر عليهم إن شاء الله وعلى عشرة أمثالهم، ثم إن الشيخ اجتمعت عليه تلك الطائفة من الخلق في موضع، ونصب عليه المنبر ورقي عليه وقرأ "قل هو الله أحد" إلى آخرها إثنتي عشرة مرة، فانفتح الباب، فلم يزل كذلك يقرأ ويرقي الى أن طلع سبع طبقات، كل طبقة أحسن من الأولى، ثم فتح الباب ودخل قبة فوق تلك القبة، وبقيت تلك الطائفة في موضعها، ولم يدروا ما فعل بعد ذلك.
من كراماته
- أن رجلا من المحبين في الشيخ في قرية من القرى يتحدثون يوما في كرامة الأولياء، فحلف لهم الرجل المتقدم بيمين زوجته أن ليس في هذا الزمان مثل الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد، فعابوا عليه تلك المقالة، وقالوا له وما يدريك؟ ونازعوه في مقالته ويمينه، وقالوا له حنثت وإمرأتك مطلقة عليك، فهم على تلك الحال، فإذا بالشيخ ورد عليهم من جهة المشرق، ودخل تلك القرية،فسمع ذلك الحالف بقدوم الشيخ، ففرح بذلك وأتاه في الحين يلتمس بركته، وأن يشتكي له مانزل به، الى أن وصله، فأخذ يقبل يده ويبكي، فقال له الشيخ ما شأنك وماالذي أصابك؟ فأعلمه بما جرى له مع أهل القرية وبيمينه، فلما فرغ من كلامه، بعث الشيخ الى بعض الفقراء هنالك فأتوه واجتمعوا عليه فقال لهم الشيخ "هذا الرجل لا حنث عليه أتعرفون سلطان الأولياء؟ فاما سكتوا واما أجابوه بلا، ثم أنه قال لهم "هو شيخ الشيوخ سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه " التقينا معه فعرض علينا ما عنده، وعرضنا عليه ما عندنا، فرجح ما عندنا على ما عنده بكذا وكذا " .
من كراماته
- أن سنة من السنين قدم الى تل الخراريج وجاءه الصالحون الذين هنالك يزورونه الا صالحا هنالك يقال له سيدي ابراهيم التوفالي، لم يأته لأجل مابلغه أن الشيخ يلبس اللباس الحسن ويركب الذكور من عتاق الخيل ويتقلد بالسيوف الحسان المحلات بالفضة، فقال "هذا الزي زي شيوخ العرب، وليس زي الأولياء ". وبقي يتقول ويطعن فيه، وكان هذا الصالح يرى النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة الجمعة، فأتاه الشيخ يزوره فلم يجده، فقال الشيخ لخادم التوفالي "قل له اذا أتى كأننا زرناك لما زرنا زاويتك" ثم ان السيد التوفالي انقطعت عنه الرؤيا التي كان يرى كل ليلة الجمعة، نحو جمعتين أو ثلاث، فتاب الى الله مما كان عليه من وقوعه في الشيخ، وعلم أن مصيبته منه، ثم أقبلت الجمعة الآتية فنام فرأى النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يراه، فقال له "يا رسول الله، ما الذي منعني من رؤيتك؟ "فقال له ، كيف تراني وأنت تتقول في عبد القادر بن محمد، وقد جعل رجلا في الدنياوالأخرى في الأخرة "، فسأله عن القوم الذين معه فقال له عليه الصلاة والسلام "أصحابي العشرة، والحادي عشر، عبدالقادر بن محمد ".
من كراماته
- أن بعض أولاد سيد الشيخ أخبر المؤلف أي العلامة الشيخ السكوني أنه أخبره الفقيه المرحوم سيدي حدوش بن سيدي موسى البريشي رحمه الله، أن والده سيدي محمد بن موسى قال له رأيت كرامتين للشيخ سيدي عبد القادر بن محمد.
- الأولى: كنت من الواقعين فيه، المعترضين عليه، وأعتقد في نفسي أنه بدعي، ثم أني سنة من السنين جلست مع الفقيه سيدي بن علو، وبقينا نتكلم، فإذا سيدي محمد بن علو يثني على الشيخ ويمدحه، ويقول مكتوب على رأسه، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عبد القادر ولي الله، وكذبته وقلت له أنت فقيه وتميل محبتك إلى أهل البدع؟ فقال لي ليس والله من أهل البدع، ولم أحدثك الا بما تحقق عندي، ثم أنه خصني وراودني أن أذهب معه ليتحقق عندي ما حدثني به، وليس الخبر كالمعاينة، فلم يزل يراودني حتى أسعفته وذهبت معه إلى أن وصلنا الشيخ وتبركنا به، فكشف لي عن رأسه، فقرأت فيه مدورا لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عبد القادر ولي الله، فقال الفقيه حدوش، ولعل ذلك عروقا، فقلت له هكذا يا حدوش، القط يعلم أباه، والله يا ولدي إن كل حرف علي أصله.
- قلت وحدثني الثقات أن سيدي أحمد بن عبد الرحمان بن بودي والسيد التومي بن سليمان حدثاه أنهما أيضا كشف لهما الشيخ عن رأسه وقرآ فيه الشهادتان، وأظن في نفسي أن السيد حدوش المتقدم أخبرني بما ذكر أعلاه، إلا أني طال علي العهد في ذلك، وأخبرني أيضا من يتصدق في خبره، أن سيدي أحمد المراكشي قال له، وأنا كذلك رأيت وقرأت في رأس الشيخ لا إله ألا الله، محمد رسول الله من غير شك ولا ريب.
- ومنها أن بعض خدامه قال له، الأشياخ يرون النبي صلى الله عليه وسلم ويخبرون خدامهم، وأنت لم تخبرنا بشيء، فقال له الشيخ تعال نتبرك بهذا الموضع ونقعد فيه، لأني رأيت فيه النبي صلى الله عليه وسلم البارحة .
- ومنها أن رجلا من الفقراء أتاه سنة من السنين وأخذ عنه وذهب لوطنه وبقي في بلده عند أهله نحو عشرين سنة ثم انه قدم لزيارة الشيخ ليتذكر العهد الذي بينهما ويلتمس منه الدعاء الى أن وصله ومرغ خده بين يديه وسأله هل عرفه أم لا ؟ فقال له الشيخ نعم، ثم أنه سأله ثانيا بعد يوم أو يومين هل عرفه، فأجابه الشيخ بنعم، ثم سأله مرة أخرى، فقال له الشيخ "نخبرك بعدد غنمك فان صادفت الصواب ولم أزد ولم أنقص فقد عرفتك والا فلا" ، "عندك سبعون شاة ظفرية، يعني بين كبيرة وصغيرة"، ومن الرواة من يقول أربعون، فلما سمع الفقير هذه المقالة من الشيخ بادر يقبل يديه ورجليه بصدقه في مقالته، فقال له الشيخ "أولها عبد القادر واخرهاعبد القادر" يعني والله أعلم، أولها عبد القادر الجيلاني،واخرها عبد القادر بن محمد.
تحقيق خادم الطريقة الشيخية بفرنسا حاكمي مصطفى
المناقب: للمؤلف الفقيه العلامة سيدي أحمد ابن أبي بكر السكوني الشريف الفجيجي رحمه الله