وصلى الله على سيدنا محمد واله الأطهار وصحابته الأبرار وسلم تسليما كثيرا.
من شيوخ الطريقة الشيخية الشاذلية
من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
كم من هذه الشريحة من الرجال، الذين يجود بهم الزمان في كل جيل وعصر ومصر، إلا أن ذاكرة التاريخ لا تعبأ بهم لسبب أو لآخر، فيرحلون إلى جوار خالقهم، لكن الأجيال اللاحقة لا تعرف عنهم شيئا يذكر، ولا يقدرونهم حق قدرهم، وبالتالي لا يستفيدون من حياتهم، ولا من علومهم، ولا من سلوكهم، ولا من أخلاقهم، وبالجملة لا يستفيدون منهم بصفة عامة، وفي ذلك ضياع وأي ضياع.
من هؤلاء الاعلام شيخ المشائخ شيخنا العارف بالله والدال عليه المجاهد القطب الرباني سيدنا ومولانا ابو عبد الله محمد بن عبد الرحمان السهلي الجرجري الحسيني رحمه الله وارضاه عاش مع بداية القرن العاشر الهجري.
نسبه الشريف هو كالتالي
: سيدي محمد ين عبد الرحمان بن محمد بن احمد بن علي بن محمد بن احمد بن محمد بن احمد الملقب بالشريف بن عبد الرحمان بن ادريس بن الحسين بن اسماعيل بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين السبط بن السيدة البتول فاطمة الزهراء والإمام سيدنا علي رضي الله عنهم.
تربى تربية اسلامية صالحة عن والديه الكريمين. حفظ كتاب الله والعلوم الشرعية على يد والده.الذي وجهه بعد ذلك الى أشهر الزوايا في الصحراء ليكمل تعليمه لما راى فيه من قوة الحفظ والرغبة والذكاء وحب اتباع السلف الصالح، فاق اقرانه مما جعل احد شيوخ الزوايا يبشره و يامره بالذهاب الى قطب الزمن الشيخ الإمام سيدي احمد بن يوسف الملياني، امتثل لامره وذهب إليه وبقى عنده تلميذا مخلصا خادما وفيا مدة من الزمن، حتى نال مراده وعينه الشيخ من أخص خواصه وخلفائه ومن مذابيحه....
- قصة خلاقته لشيخه :
يعتبر الشيخ سيدي أحمد بن يوسف الملياني من ابرز اقطاب الصوفية في القرن السادس عشر الميلادي ، كما يعتبره أتباع الطريقة الشاذلية بانه هو مجدد ومحيي طريقة الإمام الشيخ القطب الرباني سيدي ابو الحسن الشاذلي قدس الله سره
- ..(قصة المذابيح) ...توجد رواية مذكورة في كثير من المخطوطات، تخبر بأن الشيخ سيدي أحمد بن يوسف الملياني رحمه الله، لما راى كثرة توافد المريدين عليه اراد ان يمتحن صدقهم ونيتهم في طلب العلم والسير الى الله تعالى...
جمع مريديه ليلة العيد حول منزل مهجور كان يفوق عددهم 400 مريد، و قد أخذ في يده سكينا و أظهره لهم قائلا:‘‘ إنّ الله قد أمرني هذه الليلة في المنام بأن أضحّي بعشرين رجلا منكم لكي يجنّبنا مصيبة كبيرة يمكن أن تقع علينا وعلى كلّ البلاد..
أعرف أنّكم أوفياء لي و أنّ ثقتكم بي كبيرةٌ ، لا أريد أن أرغم أي واحد منكم، فالّذين يحبون الله القريب ، ويحبّونني يأتون و يمدون لي رقابهم لكي أضحي بهم، وكان قد أعدّ مجموعة من الكباش ووكّل خادمه في المنزل بذبح الكباش كلما دخل رجل يخرج دم الكبش من ميزاب هذا المنزل ليوهمهم أنّ المذبوح هو الرجل ففرّ أغلب التلاميذ وسرعان ما وجد الفراغ حوله .
إنّ مريديه الأوفياء الأتقياء قد اختفوا إلاّ سبعة منهم أجاب كلّ منهم:" ها أنا ذا يا سيّدي !" من بين هؤلاء السبعة المرشحين للأضحيةـ أو المذابيح ......وفي رواية اخرى ........ ولم يثبت منهم إلا الأقطاب الملقبون بالمذابيح، وعددهم سبعة وهم سيدي سليمان بن ابي سماحة، و سيدي محمد بن عبد الرحمان السهلي، وسيدي عبد الجبار الفجيجي، وسيدي أحمد بن موسى الكرزازي، وسيدي بودخيل القادري، وسيدي البريشي، وسيدي يعقوب النعيجة. ولقب هذا الأخير بهذا اللقب لأن الشيخ ضحى له بنعجة بعد نفاد الكباش.
......( وهناك رواية اخرى تقول......) هم : سيدي أبو الربيع سليمان بن أبي سماحة، سيدي محمد بن عبد الرحمان السهلي، سيدي محمد الملقب بسيدي نائل بن عبد الله الخرشوفي، سيدي محمد بن عبد الجبار الفجيجي، سيدي يعقوب، سيدي بودخيل القادري، سيدي أحمد بن موسى الكرزازي.
....وهناك مخطوط لإخواننا العروسيين ناحية الساقية الحمراء يقولون من جملة المذابيح جدهم سيدي أحمد العروسي وهو شيخ سيدي أحمد بن موسى الكرزازي وهم بذلك يدرجون سيدي أحمد الكرزازي من تلاميذ جدهم وليس من المذابيح.
......فالرواية المشهورة أن سيدي أحمد بن موسى الكرزازي، متأخر ومن تلامذة سيدي احمد العروسي والشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن السهلي، كما أنه نصحه بأن يلازم زيارة سيدي موسى والمسعود، القاطن بقورارة ..والله أعلم.
فمهما يكون فإن الشيخ الولي الصالح سيدي أحمد بن موسى الكرزازي رحمه الله كان من الاقطاب الاعلام فهو حسب بعض المناقب يعتبر من شيوخ الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد المعروف بسيدي الشيخ.... فقط ننقل ما قيل بكل امانة، فكلهم اسيادنا ومن سلسلة مشائخنا البررة.
وهكذا نجح هؤلاء الأعلام السبعة في الإختبار، فأجازهم الشيخ سيدي أحمد بن يوسف الملياني الراشدي، ووجههم إلى جهات مختلفة ليقوموا بتربية المريدين والدعوة إلى الله
لم يكن ذلك إلاّ إمتحانا تخيّله الشيخ أحمد بن يوسف الّذي كان عليه أن يهب سرّ الطريقة ، ويتطلّع إلى روح التضحية و الإخلاص لدى مريديه لكي يصوّب اٍختياره..
استقرار الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن السهلي
بأرض دخيســـــة ( جماعة قروية ناحية مكناس) : ويبدو أن الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن أقام طويلا بأرض الزريقات ( جماعة قروية. إقليم الراشدية المغرب). لأنه لما خرج منها ترك ابنه الوحيد سيدي عبد الله مكانه بتلك الأرض إماما ومعلما، إذ وقت بين زواجه رضي الله عنه، وبين وقت بلوغ إبنه سيدي عبد الله مبلغ الرجال وتوليه منصب الإمامة لا شك وقت طويل.
وواصل الشيخ طريقه حتى نزل بأرض الدخيسة ( جماعة قروية ) على ضفة نهر كبير، فسأل الناس عن اسم المكان فأجابوه بأن اسمها ( الصعب) ، فقال كلمته المشهورة كذلك (سهلها تسهال ). فسميت من ذلك اليوم بالسهلي، وهو المكان المعروف بناحية بوذنيب من جهة شرق المملكة المغربية. والذي يوجد به ضريحه رحمه الله ورضي الله عنه.
وما إن أقام عندهم الشيخ يدعوهم إلى الله ويعلمهم ويؤمهم في الصلاة حتى حلت عليهم البركة وعمهم الخير من كل النواحي. ثم تزوج امرأة من أشرفهم تسمى لالة ستي، ورزق منها بمولود ذكر مات صغيرا....وسبحان مبدل الأحوال، إذ سرعان ما حل بالناحية سنون عجاف، أرغمت قبيلة الدخيسة أن تنتشر في الأرض بحثا عن الكلأ، مما أدى بها للاستقرار بأرض بين جبل زرهون ومكناس. أما سيدي محمد بن عبد الرحمان السهلي فقد بقي بأرض الدخيسة، ولم يبق معه من القبيلة إلا صهره .
وبعد مدة، أظهر الله أمر هذا الرجل الصالح وشاع ذكره في الآفاق، وتعددت كراماته، فأسس هناك زاويته المباركة على تقوى من الله ورضوان. وبدأ الناس يتوافدون عليه بين طلاب للعلم ورواد للتربية وباحثين عن حسن الجوار. فازدهرت البلاد من جديد، وأغدق الله سبحانه وتعالى عليها بالخير والبركة، فكانت ولا زالت إلى يومنا هذا أرض إيواء وإكرام، فكل من زار هذه العائلة الشريفة المباركة، يجد من حسن الإستقبال وكرم الضيافة ما يسره.
وبزاويته المباركة شرع شيخنا الفاضل في تلقين الطلبة العلوم الشرعية وتربية المريدين وتلقينهم الطريقة الشاذلية، بعدما أجازه في ذلك شيخه الذي فتح الله له على يديه، سيدي أحمد الراشدي الملياني كما سبقت الإشارة إلى ذلك في قصة المذابيح الشهيرة. ومن المؤكد أنه أخذ عنه خلق كثير، لأنه كان رحمة الله عليه من أكبر الشيوخ الربانيين المربين في عصره.
- نخص منهم سيدي يحي بن صفية
ـ ومن أنجب تلامذته الذين تخرجوا على يديه على سبيل الذكر، الولي الصالح الرباني الشريف النسب، (قطب أولاد انهار )، سيدي يحي الملقب بن صفية نسبة إلى أمه لالة صفية بنت سيدي سليمان بوسماحة عمة القطب الرباني سيدي عبد القادر بن محمد (سيدي الشيخ)، إذ يرتفع نسبه إلى المولى إدريس دفين مدينة فاس، خلف ذرية طيبة مجاهدة كريمة تقطن بمدينة سبدو الجزائرية وضواحيها. وهذه العترة المباركة على صلة وثيقة بذرية سيدي محمد بن عبد الرحمان على عهد السلف الصالح، يحبونهم ويقدرونهم ويقدمون لهم الهدايا، وفاء لوصية أبيهم سيدي يحي وصلة للقرابة التي بينهم.
- سيدي أحمد بن موسى الكرزازي:
ـ ومن أنجب تلامذته أيضا الولي الصالح والقطب الواضح سيدي احمد بن موسى الكرزازي الذي يقول في حق شيخه:( أما سيدي محمد بن عبد الرحمان السهلي ثم الجيري – نسبة إلى نهر جير الذي يتواجد على ضفته قصر السهلي- فهو شيخ جليل عظيم القدر، صاحب كشف وحقائق، له همة عالية ومهابة عظيمة، مجذوب من أوله إلى آخره ...يواجه كل من جاء إليه بحاجته لا يخاف في الله لومة لائم،
يأمر الناس بالخلق العظيم والطبع المستقيم، أقبلت الناس عليه وانتفع بصحبته كل من صاحبه، وهو السادس من المذابيح على الخلاف فيه. محبته في أشياخه عظيمة، ونيته فيهم سليمة، وكرامته إليهم كثيرة، و كرائمه لا تحصى و شمائله لا تستقصى رضي الله عنه وأرضاه ). نقلا عن السكوني في كتابه تقوية إيمان المحبين.
- سيدي عبد القادر بن محمد (سيدي الشيخ)
ـومن أنجب نجباء تلامذته أيضا الولي الصالح والقطب الواضح الشهيد سيدي عبد القادر بن محمد بن سليمان بن أبي سماحة سليل الدوحة البوبكرية .
قال فيه شيخه سيدي محمد بن عبد الرحمان السهلي رحمه الله
(عبد القادر بن محمد هدية ربانية، هو ثوبي الدخلاني مني ليه ومنه ليّا)......
كان سيدي عبد القادر بن محمد رحمه الله مطيعا لشيخه وملازما له. أخد عنه شتى العلوم وبالخصوص علوم وأسرار السادة الشاذلية، لأن الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمان هو شيخه في التربية والتسليك والطريقة. فكان سيدي عبد القادر بن محمد من أنجب طلابه ومريديه ووارث سره،
حيث امتحنه مرارا في أمور صعبة جدا فوجده صادقا امينا وفيا مخلصا ومتشوقا لنيل أعلى المراتب في السلوك إلى الله سبحانه وتعالى. وعندما فتح الله عليه أجازه شيخه فأمره أن يتجند إلى الدعوة إلى الله وتربية المريدين. لكن سيدي عبد القادر بن محمد طلب من شيخه قائلا: يا شيخي أريد أن أقيم معك في بلادك. ( مراعيا حقه عليه، بان يبقى خادما عنده)... فأجابه الشيخ بالكلمة المعروفة أيضا،..
(إلا بغيت العفس والكفس واقشيع الزنادي اقعد معي في بلادي، وإلا بغيت العز والكنز وركوب العيادي سير من فجيج غادي).
ويبدو أن الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمان سمح لتلميذه سيدي عبد القادر بن محمد بالإقامة إلى جانبه لبعض الوقت للمحبة التي كانت بينهما، ثم ما لبث أن أمره أن يرتحل وفق العبارة السالفة الذكر وقوله له: (الشيخ ما يخدم الشيخ ) وقيل بأنه هو اول من لقبه بلقب ( الشيخ)....
فنزل بحاضرة مدينة فجيج شرق المغرب. التي أسس بها زاويته الأولى بالمكان المسمى بالعباد. فلبث هناك فترة من الزمان حتى وقع خلاف حاد بينه وبين بعض فقهاء فجيج كما هو الشأن دائما بين الفقهاء وشيوخ التربية والسلوك، حينما أشهروا الطعن على طريقته حسدا من عند أنفسهم. وقد دفعه هذا الحادث إلى أن يرجع إلى شيخه ليقص عليه ما حدث ويستشيره في الأمر، فقال له الشيخ:
يا عبد القادر، قلت لك: ...(سير من فجيج غادي).....ثم بعد ذلك وجهه شيخه إلى أرض بالجنوب الغربي من ولاية البيض بالجزائر، فأسس زاويته المباركة على تقوى من الله ورضوان، كثر بها أتباعه ومريدوه...
كرامة دائرة بينه وبين تلميذه سيدي عبد القادر بن محمد :
ومن كرامات الشيخ وتلميذه معا أنهما كانا ينظران إلى بعضهما يوميا رغم طول المسافة الفاصلة بينهما عبر نور خاص، في مطلع كل شروق شمس. ولما كان اليوم الذي توفي فيه الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمان السهلي، راقب سيدي الشيخ كعادته شروق الشمس لينظر نور شيخه، لكنه لم ير نور شيخه كالعادة، فأيقن أن هناك أمرا ما قد وقع، فنطق بكلمته المشهورة:
الشمس طلعت منورة بضياها = راعيت شيخي ما بان أضياه
ضنيت ارحل من البلاد خواها = واش ابقى لنا من اقعاد وراه
ثم توجه راكبا إلى بلاد شيخه بزاوية السهلي فوجد الشيخ قد إلتحق بجوار ربه، والناس حوله في ذهول تام من شدة الهول. وكان الشيخ قد أوصى رحمه الله تعالى أن الشخص الذي سيقوم بغسله سيأتي من الغرب، وذكر أن اسمه ( سيدي الغازي بن قاسم من تافيلالت)، فكان كذلك وتعتبر هذه من بين كرامات الشيخ رحمه الله. وبعد نهاية التأبين والعزاء تفرق مريدوه في نواحي البلاد المختلفة متجندين للدعوة إلى الله.
وفاته رحمه الله:
ومما وجد في أحد التقاييد حول وفاته ما يلي:
الحمد لله على كرامة الولي الصالح سيدي محمد بن عبد الرحمان مول السهلي نفعنا الله به آمين. و مما و جدنا في التقايد أن الشيخ الصالح والولي الناصح سيدي محمد بن عبد الرحمان الناسك الزاهد شيخ التحقيق وإمام أهل التصديق توفي يوم الأربعاء وسط النهار فاتح شعبان سنة 972 هجرية.
تمت نسخة الولي الصالح سيدي محمد بن عبد الرحمان مول السهلي رحمه الله تعالى و رضي عنه نسختها يوم 5 رمضان سنة 1323هجرية موافق 24 غشت سنة 1944 م...
وفي بعض الروايات توفي (سنة 990 ) هجرية..
ترك الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن السهلي ابنه الوحيد سيدي عبد الله:
كان سيدي عبد الله الإبن الوحيد لسيدي محمد بن عبد الرحمان عالما ربانيا ووليا صالحا تقيا زاهدا على مواصفات والده، تصدر الدعوة والتربية بعد وفاة أبيه. ومن هذا الفرع المبارك انتشرت سلالة سيدي محمد بن عبد الرحمان بأرض السهلي، كما بقيت فرقة من حفدته بأرض الزريقات، وإلتحقت فرقة أخرى بقصر تزكرت. وترتفع الفرقتان الأخيرتان إلى سيدي أبوالقاسم بن عبد الله، دفين تخيمت قرب أوفوس، وله بها مزار هناك.. رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين.
بين سيدي عبد الله وتلميذ أبيه سيدي الشيخ:
وكان سيدي عبد القادر بن محمد بعد وفاة شيخه على عهد و صلة مع ابن شيخه سيدي عبد الله، ومن الروايات الواردة بخصوص خصال البر والصلة الدائرة بينهما، أن سيدي عبد الله اشتاق ذات يوم إلى حبيبه وتلميذ أبيه النجيب، ووارث سره الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد، فتوجه إليه راكبا قصد زيارته. فلما كان على مشرفة من بلاده، ووصل الثنية المسماة (ثنية الزيار )، وجد سيدي الشيخ في انتظاره دون سابق ميعاد.
فسبحان الله، هاتف القلوب بدون سابق إشعار، فاستقبله بترحاب وشوق وتعظيم وتبجيل، ثم جمع كافة الأتباع والقبائل المجاورة، وأقام على شرفه حفل كبير يليق بمقامه. فلما أراد سيدي عبد الله الرجوع إلى أرضه، خرج سيدي الشيخ برفقة أتباعه ومريديه لتوديعه. وبعد تبادل عناق الوداع الحار، جاشت نفس سيدي الشيخ حنينا شيخه، فاسترجع ذكريات الأيام الغالية، فما لبث أن واصل متابعته لابن شيخه، ليلاحقه الجمع الكبير من الأتباع .
واصل سيدي عبد الله سيره قليلا دون أن تتوقف الحركة من خلفه، فالتفت فإذا بسيدي الشيخ وجموع أتباعه من ورائه، فقال: ما هذا الذي أرى يا سيدي الشيخ. فرد عليه قائلا: يا ابن شيخي (العبد وماله وما كسبت يده ملكا لسيده ). انه يرى بان كل ذلك لا يفي حق شيخه وبركاته عليه.
ترجل حينئذ سيدي عبد الله عن صهوة فرسه وقال ماذا في الأمر يا سيدي الشيخ، فأجابه قائلا: إنها هدية. فرد عليه سيدي عبد الله قائلا، (إنها الدنيا وأبي قد طلقها حرام علي أن أتزوج مطلقة أبي). فقال له سيدي الشيخ (وأنا أيضا حرام علي أن أتزوج مطلقة شيخي). فوقعت عين سيدي عبد الله على خادم لسيدي الشيخ، فقال أعطوا الأمر لهذا الخادم يأخذ و يوزع الهدايا على ذوي الحاجة وينفقها في سبيل الله على حفظة القرآن والمريدين وزوار الزاوية.
فقال سيدي الشيخ لابد أن تأخذ شيئا منها يا ابن شيخي. فرد عليه سيدي عبد الله قائلا، ( إن كان و لا بد فخادمة وسطلة تحمي لي فيها ماء الوضوء وجمل تركب عليه). ولا زالت سلالة الخادم تقوم بأمر الزاوية إلى يومنا هذا وفاء بالعهد.
أما السلالة البوشيخية واتباع الطريقة الشيخية فهم لا يزالون على قدر كبير من المحبة والاحترام لا مثيل لهما مع السلالة الرحمانية الشريفة. فمنذ ما يفوق أربعة قرون وهم على تواصل ومودة مع ابناء شيخهم إلى يومنا هذا، فجزاهم الله من معدن نفيس خالص، كيف لا وهي من سلالة صديق الأمة الوفي الامين سيدنا أبو بكر الصد يق رضي الله عنه . .
كرامات الشيخ كثيرة جدا اختصرنا منها :
ومن كرامات سيدي محمد بن عبد الرحمان ، أنه عندما أجاز تلميذه سيدي الشيخ واورثه سره، أمر بإحضار الطعام ،فأراد سيدي الشيخ أن يأكل، فقال له الشيخ أنا أطعمك، فبدأ يهيئ اللقمة ويعطي لسيدي الشيخ حتى وصل الثامنة عشرة لقمة، فبقي من هاته الأخيرة قليل من الطعام بيد سيدي محمد بن عبد الرحمان،
فقال زد يا عبد القادر قال يا شيخي شبعت، فقال الشيخ أسأل الله عدد من لقمة أكلت بولد إن شاء الله تعالى، قال زدني يا شيخي، قال لو زدت لزادك الله، قال يا شيخي ادع لأبنائي، فقال الشيخ: أبناؤك زاوية تهبوا وزاوية تربوا إلى يوم القيامة.
قال زدني يا شيخي قال : أبناؤك انيوفهم في النقاب ، وأرجلهم في الركاب .إشارة إلى الجهاد في سبيل الله.
ودعا لهم كثيرا وكانوا كذالك والحمد لله رب العالمين.
ومن كراماته كذلك، أنه كان يدلي الدلو في البئر فيصعد الدلو ممتلئا ذهبا، فيرده ويقول: بن عبد الرحمان مابغا ذهب ولا فضة، أبغيت الماء نتوضا، التسبيح واللوح حتى تخرج الروح. إشارة منه رضي الله عنه إلى التزكية والعلم.
من كراماته - أن تلميذه الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد رحمه الله قال لبعض الفقراء، ذهبت الى شيخي سنة من السنين ومعي بعض الفقراء، الى أن وصلنا موضعا يقال له " الغبية " بالمغرب فوقع النزاع بين الفقراء، فسمعت شيخي يقول : " اصبروا ولا تنازعوا .." ، فأمرتهم بالسكوت .
كتاب المناقب للإمام السكوني ص 159.
من كراماته: أن بعض الفقراء ذهبوا اليه للزيارة عاما من الأعوام ، الى أن استقروا بين يديه، وتبركوا به، وأتاهم بطعام فأكلوا، ثم أن خادما رجع ببقية الطعام الى منزل الشيخ، ثم أن واحدا من الفقراء قال للأخر بينه وبينه سرا ، اني لم أشبع فما ان فرغ من كلامه الا والشيخ جاءه بالطعام طرحه أمامه وقال له كل حتى تشبع .....فأكل حتى شبع
ثم ان فيهم يعني الزوار رجلا يقال له محمد بن جبور بن هلو، شريف من بني سكون، قال للشيخ : يا سيدي أتيتك زائرا لله لا لغيره .
فقال له الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن السهلي كيف كيف ؟؟ فأعاد مقالته ، فسقط الشيخ مغشيا عليه، هنيهة ثم أفاق، ثم قال له كيف كيف ؟؟ يا ولدي، فأعاد مقالته، فسقط الشيخ أيضا مغشيا عليه ساعة، ثم أفاق ثم سأله ثالثا، فأجابه بما أجابه أولا، وجرى للشيخ ما جرى له في المرة الأولى والثانية، ثم أفاق، فقال له : " مقبولة عند الله يا ولدي، قد جلت علي يا ولدي ." وهو يكررها ثلاثا..
كتاب المناقب ص 143..
مجموعة من الرؤى المباركة...
في هذا الجزء نتطرق إلى إكرام الله لوليه الصالح سيدي محمد بن عبد الرحمان بمجموعة من الرؤى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام. وهي واردة في مخطوط خاص كما يلي:
الحمد لله الذي نور قلوب أوليائه العارفين به ونور أسرارهم ، وكانوا في ملكوته من المحسنين، و فتح لهم أبواب السعادة فجعلهم مهتدين، وطرد المحرومين من طاعته وبابه فجعلهم مبعدين، و جعل كتابهم في سجين، وقسم صفات العارفين بالله فجعل منهم السابقين وأهل اليمين. و بعد فهذه بشارات لشيخنا الإمام الهمام، والحبر البحر الفهام، إمام السلاطين كما عده السائرين في طريق رب العالمين حبيب الرحمن.
ـ قال رحمه الله، رأيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فقلت له: يا سيدي يا رسول الله، ما تقول في طريقتي. فقال صلى الله عليه وسلم، طريقتك كسفينة نوح عليه السلام، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك، و كمقام إبراهيم عليه السلام من دخله كان آمنا.
ـ و رأيته مرة ثانية صلى الله عليه وآله وسلم فقلت؛ يا سيدي يا رسول الله عليك السلام، هل هذا مقبول عند الله، فقال لي عملك مقبول، وكل من أخذ عنك وأرادك وتتلمذ عنك فهو محرم عن النار، و نحضر له عند خروج الروح وعند الصراط.
ـ ورأيته صلى الله عليه وآله وسلم مرة ثالثة فسألته؛ عن أمور كثيرة بيني وبين الله سبحانه وتعالى فأجابني عنها، و فرحت فرحا شديدا بفضل الله تعالى، فقلت يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، أنا قلت للناس من رادني لا تأكله النار، فقال لي صلى الله عليه وآله وسلم، من رآك و رادك إلى سبعة فهم محرمون عن النار.
ـ ورأيته صلى الله عليه وآله وسلم مرة رابعة وطلبت منه كل من رادني وسمع ذكري فهو محسوب من تلامذتي.
ـ ورأيته مرة خامسة صلى الله عليه وآله وسلم، وصليت خلفه صلاة الصبح، و قال لي لا يقف شقي بهذه صلى الله عليه و سلم، رادها من نفسه الشريفة من غير طلب مني.
ـ ورأيته مرة سادسة صلى الله عليه وآله وسلم في باب الجنة و أمامه جماعة يذكرون الحضرة عنده، فجلست عنده حتى فرغت تلك الحضرة، فقلت له يا سيدي يا رسول الله، الناس ينكرون الحضرة، فقال لي إلا المجرمين و المفتونين ومن شك وظن يخاف عليه من سوء الخاتمة و العياذ بالله تعالى.
ـ ورأيته مرة سابعة صلى الله عليه وآله وسلم فقلت له يا سيدي يا رسول الله هل أنا من نسلك، فقال لي، أنت من نسلي.
ـ و رأيته وكأن القيامة قد قامت و كأن المحشر و أرادوا المرور على الصراط، فوقفت منزعجا من ذالك الهول، فرأيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم جالسا على منبر من نور فسلمت عليه، فضمني كالوالدة لولدها عليه الصلاة والسلام، فإذا أنا بأربعة رجال كالبدور جالسين أمامه لم أر مثلهم قط،
فقلت له يا سيدي يا رسول الله، من هؤلاء الرجال، فقال لي، أبوبكر و عمر و عثمان و علي، فسلمت عليهم رضي الله عنهم وأرضاهم. ثم أطلقت بصري فإذا أنا بشيء ترهب منه النفوس، فقلت له ما هذا يا سيدي يا رسول الله، فقال لي الصراط. فقلت له كيف المرور عليه، فتبسم صلى الله عليه و سلم وقال لي، أخفت على أحبابك ومريديك وقرابتك؟، فقلت نعم يا سيدي يا رسول الله،
فقال لي، هم الذين : لا يحزنهم الفزع الأكبر و تتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون.
صدق ا لله العظيم. ...ثم استيقظت، فوالله ثم والله لو علمت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يغيب عني ولم أره مرة أو مرتين في اليوم ما عددت نفسي من المسلمين منذ عشرين سنة...
هذا ما وجدنا بخطه المبارك رحمه الله تعالى
و سأله تلميذه سيدي علي بن عيسى فقال أوصني على إخواني التلامذة، فقال لي، كل من يجمع تلامذته ولا يقطعون الورد والحضرة وعليهم بدخول الخلوة، ولا يخافون شيئا ونحضر لهم في موتي أكثر من حياتي، ونقف معهم وندعوا لهم حتى يصلوا إلى مولاهم .
وصلى الله على سيدنا محمد و اله و صحبه أجمعي و سلم تسليما
من دعائه رحمه الله:
و من دعائه رضي الله عنه: اللهم اقذف في قلبي رجاءك، واقطع رجائي من سواك حتى لا أرجو غيرك.
اللهم ما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه أملي ولم تنته إليه رعايتي ولم تبلغه مسألتي ولم يتحرك به لساني مما أعطيت به من الأولين والآخرين من اليقين، فأعطيني به يا أرحم الراحمين يا رب العالمين .
علمه له جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
من دعائه: اللهم يا من شفى و عافى، نجنا يا رب من شر كل ما ظهر وما خفي، بحرمة سيدنا محمد النبي المصطفى
اللهم يا شفيق يا رفيق، نجنا من كل هول وضيق، بحرمة سيدنا أبي بكر الصديق
اللهم يا رب الأرباب، ويا معتق الرقاب، نجنا يا رب يوم الهول والحساب، بحرمة سيدي عمر بن الخطاب
اللهم يا حنان يا منان، يا ذا الفضل والاحسان، نجنا يا رب من كل انس وشيطان، بحرمة سيدنا عثمان بن عفان
اللهم يا من لا يغلبه غالب، ولا ينجو من مقاديره هارب، نجنا يا رب من كل ظالم كاذب، بحرمة سيدنا علي بن أبي طالب
اللهم يا واحد أحد، نجنا يا رب من كل أحد من خلقك بحرمة الستة الباقية من العشرة الكرام البررة
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
تقدير للجميــل:
هذا بعض ما وجد مكتوبا في خاتمة النسخة التي تم الاعتماد عليها في هذا البحث حول بعض المعلومات المتعلقة بالشيخ:
كاتبه عبد ربه اقويدر بن الضافي من أولاد لعتبي تلامذة بن عبد الرحمان نفعنا الله ببركته آمين و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد واله وصحبه أجمعين وسلم تسليما.....
جزى الله خيرا هذا الرجل المحب لآل البيت الذي نقل لنا هذه النسخة عن مخطوط قديم يصعب نقل كل ما فيه لما يبدوا والله تعالى أعلم .
وبالله التوفيق وإليه المصير تمت إعادة كتابتها يوم 26 ربيع الثاني سنة 1430 هجرية العبد الضعيف الراجي عفو البر الرحيم المنان الشاذلي عبد الرحمان بن العرابي.
المصدر
كتاب المنن في مناقب الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن للمرحوم سيدي عبد الرحمان السماحي رحمه الله .
كتاب تقوية إيمان المحبين للعلامة الشيخ السكوني.
بحث وتحقيق مقدم الطريقة الشيخية حاكمي مصطفى.