والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه اجمعين.

أما بعد: نسأل الله تعالى جلت قدرته أن يتلألأ علينا وعليكم من بحور الخيرات والنعم، وأن يكفينا ويكفيكم جميع الشرور والبلايا ما ظهر منها وما بطن وأن ينظر فينا وفيكم في الدنيا والاخرة بعين رحمته ومحبته وعنايته وأن يختم لنا ولكم بالسعادة التي ختم بها لأوليائه، فالحمد لله الذي وفقنا لذكر بعض مناقب شيخنا مفتاح أقفال الاسرار، ومصباح المعارف والأنوار، بحر العلوم العرفانية، ومعدن المواهب الإحسانية، الشيخ العارف بالله والدال عليه، الولي الصالح المجاهد الهمام، الشجاع المرابط سيدي حمزة بن أبي بكر الصديقي، الملقب بأمير الصحراء، وبأبو المجاهدين، وليعلم الواقف على هذه الترجمة أنني لم أذكر إلا أقل القليل من فيضه وأستغفر الله ربي إن لم أعطيه حقه .

نشأ شيخنا سيدي حمزة بالصبيعات بين والديه في بيئة دينية محافظة جدا. حفظ كتاب الله وشتى العلوم عن والده وشيخه الفقيه سيدي أبو بكر بن النعيمي. وفقهاء عصره.

وكان والده يحترمه كثيرا لما توسم فيه من الولاية والصلاح وكان يوصي به الفقراء والمحبين انه وارث سره من بعده. لما توفي والده وشيخه بايعه أتباع الطريقة الشيخية الشاذلية شيخا ومربيا وقائدا لهم وخاصة ما كانت تعيشه الجزائر وشمال إفريقيا على العموم .

حمل المشعل وقاد الجيوش على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان أهل لذلك.

كان يتمتع بإحترام كبير جدا بين المريدين والأحباب وكان له نفوذ وتسليم تام، خصوصا بين قبائل الشعانبة، المخادمة، الاغواط، اولاد زياد، والمجادبة، وأهل الواحات الجنوبية.

عرف الشيخ سيدي حمزة رحمه الله. بالنبل والشجاعة وفائض الكرم، وكانت الزاوية الشيخية الشاذلية في وقته تعرف بالكد والإجتهاد غنية عن ما في ايدي الناس فكان لا يطمع في احد مهما كان مستواه وجاهه. وكان لا يخاف في الله لومة لائم. وكان ذا بصيرة ثاقبة وكان حليما لينا متواضعا خاشعا باكيا ذاكرا شاكرا خائفا من الحق سبحانه وتعالى في جميع أموره كان ناصحا للمريدين والمريدات ويعرف أحوالهم ويتفقدهم وكذلك جميع من كان في صفوف جيشه من المسلمين. وكان كثير المكاشفات والكرامات . منها على سبيل المثال لا الحصر .

ـ عن الفقيه الأستاذ مقدم الطريقة الشيخية سيدي عبد الله طوهرية: أن السيد مسلم الحاج محمد عن والده الشريف السيد مولاي حمادي، أنه كان مع الشيخ سيدي حمزة بن أبي بكر، ذات يوم فبينما هما يأكلان خبزا وسمنا فإذا بالسيد حمزة أمسك عن الأكل برهة، فسأله الشريف عن سبب إمساكه عن الأكل قال له سمعت صوت امرأة تقول (يا سيدي حمزة بالصبيعات) في الموضع الفلاني، لما سقط ولدها في بركة ماء، قال الشريف ثم مدّ ساقه أمامي فإذا هي مغطاة بالطين والحمئة، وهو في مكانه لم يتحرك، وقال له قد أنقذت الولد من الغرق والحمد لله.

- ومن ذلك ما حدث به كذلك سيدي عبد الله طوهرية: أن الحاج علي بن زروق الجرمني رحمه الله قال، كان أحد رعاة إبل سيدي حمزة بالصبيعات يحلب نوقه دون علمه، فلما سأله عن ذلك جحد ذلك، فقال له إن كنت أنت الفاعل فلا تزال تحلب طول عمرك، قال وقد أدركته ويداه تنقبضان وتنفتحان على هيئة من يحلب، لا يستطيع إمساكهما.

- ومما رواه سيدي الحاج الشيخ بن السيد محمد عبد الرحمان بن زيان قال: كان السيد حمزة إذا قدم إلى سعيدة ( الجزائر). تعلق به أهل تلك البلاد يطلبون منه الدعاء بالمطر، قال فيأمر بعض خدامه بصعود بعض الربى ثم ينادي متوسلا إلى الله تعالى بـ (سيدي الشيخ عبد القادر بن محمد) فينزل المطر .

ومن كراماته: أن الولي الصالح المجاهد سيدي الحاج الطيب بن بوعمامة رايى . رأى أن الشيخ سيدي حمزة بالصبيعات أتاه ومعه شاة وقال له سوف يولد لكم ولد وسمه بإسمي ويكون له شأن في الطريقة. والولد هو شيخنا الحالي سيدي الشيخ حمزة بوعمامة قدس الله سره الشريف. ولله في خلقه شؤون.

كان الشيخ سيدي حمزة بن ابي بكر يحث على جهاد المستعمر ولا يتهاون في ذلك.

كان معاصرا للأمير عبد القادر . شاركت الطريقة الشيخية الشاذلية في صفوف الأمير عبد القادر الجهاد سنة 1836م . بنية جمع شمل المسلمين .

حاولت فرنسا جاهدة إغراء شيخنا القطب سيدي حمزة بن أبي بكر بشتى الوسائل . منها عرضت عليه أن يكون خليفة لأولاد سيدي الشيخ والقبائل التابعة تقليديا لهم، وكذلك عرضوا عليه المال والجاه . لكنه رفض كل العروض وقال نحن ( أحرار لا نساوم) واجه الاحتلال في عدة معارك كبدهم خسائر فادحة في الأرواح والمعدات. وكان الإحتلال يخشى مواجهته. فتوجه إلى الحيلة والغدر والمكيدة و بمساعدة العملاء، إحتال عليه الجينيرال بليسيه ( Générale Pelissier ) فاحتجزه لمدة سبعة أشهر. وأطلق صراحه لكن فرنسا كانت تهابه وتخشى من تزايد محبيه ومريديه كل يوم.

فاطلقت دعايات أن شيخنا الشيخ سيدي حمزة كان ضد القبائل وان اتباعه يعملون في صفوف فرنسا . لكن القبائل لم يصدقوا تلك الدعايات جملة وتفصيلا .

وفي سنة 1860م ايضا بمكيدة بعض العملاء ألقي عليه القبض مرة أخرى واودع السجن، وصودرت أمواله وأملاك الزاوية الشيخية وكافة الأراضي التابعة للزوايا الشيخية .

ولما احس بقرب أجله أرسل برسالة الى عم سيدي بوعمامة الولي الصالح سيدي لمنور وطلب منه أن يحضر معه الغلام إبن أخيه، فلما أخبر والده سيدي العربي تعجب الأخير من الامر وقال له من أين عرف سيدي حمزة إبني بوعمامة ؟ قال له لعله أمر مهم خذه إليه إذن .فلما ذهبا إليه وجداه ينتظرهما وإستقبلهما في جمع من الفرسان والفقراء ووليمة على شرفهما، قبل الغلام سيدي بوعمامة بين عينيه وقال لعمه إن لابن أخيك هذا مستقبل شارق بالأنوار حينما يكبر إن شاء الله واوصه وقل له يحسن لابنائي خيرا، ولقنه اسرارا خاصة .

ومرت بضع سنوات، وقيل لما حضرت الوفاة لسيدي حمزة بن بكار قال له أتباعه يا سيدنا أبنك الخليفة من بعدك قال لهم: ( لو كانت بيدي أعطيتها لولدي ولما كانت بيدي الله فهو اعطاها لبوعمامة بن العربي) ( سلم خاتم الطريقة أو رمز المشيخة المعروفة : بياقوتة الطريقة أو المنزولة التي ما يقدر على حملها إلا وارث سر مشيخة الطريقة. لأن فيها إسم الله الأعظم المعظم. لتلميذه الصادق الوفي الشيخ سيدي بوعمامة وهو لا يزال صبيا. وأمره بالتتلمذ على يد تلميذه العارف بالله الولي الصالح سيدي امحمد بن عبد الرحمان البنعيسي شيخ زاوية مدينة بني ونيف . الجزائر ) .

(ويحكى انه حينما إلتقى سيدي الشيخ بوعمامة بأحد أبناء سيدي حمزة رحمهم الله، أغلظ له القول سببها بعض الحساد بينهما، ولم يجبه سيدي الشيخ بوعمامة ولزم معه قمة الادب، وكان يرد عليه بياسيدي يا سيدي يا إبن شيخي....) فسأله بعض جلساءه متعجبين عن سبب صمته، فاجابهم: ( أوصاني أبوهم عنهم وأنا صغير فكيف أرد عليهم رضي الله عنهم))

وفي سنة 21-08- 1861 توفي الشيخ سيدي حمزة بالصبيعات مسموما شهيدا رحمه الله ودفن بضريح سيدي محمد بن عبد الرحمان ( بلكور). بالجزائر العاصمة ضريحه معروف يزار، وله مقام معروف بولاية سعيدة ( الجزائر).

إتهم أتباع الطريقة الشيخية الشاذلية السلطات الفرنسية وأعوانهم بتسميم شيخهم الشهيد سيدي حمزة بن أبي بكر الذي كانت مكانته السامية مضرب الأمثال، وإمتلات القلوب حقدا عليهم، وكانت ثورات منددة .

رثاه الشعراء وبكاه الموالون، وخاصة شاعر المقاومة تلميذه مقدم الطريقة المجاهد سيدي محمد بلخير الاغواطي رحمه الله.من بين ما قيل في حقه.

أبكي يا عيني على رئيس الاعقاد= من لا ليه مثيل في ذا البر وذاك.

نبكي ونبكي الحاضر بالامجاد = بكاني حمزة وزاد القلب هلاك

لو ما حمزة واشتا يبكوا لثماد = قالوا عيطة عاقلين الصبر دواك

حمزة بو سكين سقام الميعاد=من جاته ساعته يواسي فيها هاك.

حمزة طوعها سلاطين وقياد= من بر السودان لكراسي الأتراك.

اضنات الياقوت في قاسح الازناد= سلسلة ذهب باقية من ذاك لذاك.

سيدي وانا خديمكم على الأجداد= لو داري بالضر نلقاه ونهداك

يا الله في الجنة ذراعي ليك وساد= وإلا خاطي وين رحت انا وإياك..

ترك عدة تلاميذ أشهرهم. وارث سره الشيخ المجاهد سيدي محمد بوعمامة بن العربي.

و اخوه الولي الصالح المجاهد سيدي لعلا بن أبي بكر. والمجاهد الشاعر سيدي محمد بلخير الاغواطي.
وأولاده الأربعة المجاهدون سيدي سليمان وسيدي محمد وسيدي احمد وسيدي قدور.
والولي الصالح المجاهد سيدي محمد بن امبارك.
والولي الصالح المجاهد سيدي محمد بن حكوم الملقب بسيدي بلقناديل وأخوه الولي الصالح المجاهد الشهيد سيدي الشيخ بن حكوم.
وغيرهم كثير .

سند الشيخ سيدي حمزة بالصبيعات في الطريقة الشيخية الشاذلية. أخذ إذن المشيخة والتربية عن والده العارف بالله الشيخ سيدي أبو بكر عن والده العارف بالله الشيخ سيدي النعيمي عن والده العارف بالله الشيخ سيدي أبو بكر عن والده العارف بالله الشيخ سيدي العربي عن والده العارف بالله الشيخ سيدي الشيخ بن الدين عن إبن عمه العارف بالله الشيخ سيدي أبو حفص الحاج دفين مصر عن والده العارف بالله الشيخ سيدي الحاج عبد الحاكم عن أخيه العارف بالله الشيخ سيدي عمر الحاج أبو حفص عن والده مؤسس الطريقة الشيخيةالشاذلية إمام الصوفية الشيخ المجاهد الشهيد سيدي عبد القادر بن محمد. الملقب ( بسيدي الشيخ) نفعنا الله بعلمهم وبركاتهم آمين.

بحث وتحقيق مقدم الطريقة الشيخية الشاذلية حاكمي مصطفى .