من كتاب: رحلة إبن عابد الفاسي " من المغرب إلى حضرموت"
للشريف يوسف بن عابد بن محمد الحسني الفاسي .
حقق نصها وقدم لها وعلق عليها
إبراهيم السامرائي و عبد الله محمد الحبشي
دار العرب الإسلامي .
في هذا الكتاب يذكر رحلته وزيارته لمناطق مختلفة .
وما ذكرته لكم هنا والذي يهمنا هو زيارته للشيخ سيدي عبد القادر بن محمد المعروف بسيدي الشيخ واتخاذه شيخا وما حصل له معه من مكاشفات .
للتوضيح فقد ذكر سيدي الشيخ عبد القادر بن محمد بلقب (الحمياني). وهو لقب من ألقاب الشيخ كالقرمامي ومول الفرعة وغيرهم من الالقاب .
وكذلك ذكر في كتابه شيخ سيدي الشيخ بإسم الشيخ عبد الرحمن الفقيقي، يعني به الشيخ سيدي امحمد بن عبد الرحمان السهلي ضريحه على مقربة من مدينة بودنيب .
ملاحظة للأمانة فقد نقلت لكم كما هو مكتوب في الكتاب والله ولي التوفيق .
....... ثم رجعت الى حيث جئت الى راس وادي فقيق (2) بفاء مكسورة وقاف بعدها ياء ساكنة وبعدها قاف وادي نخيل فيه كثير (3) وفي اعلاه.
________________________
(2) يرد ذكره في فهرس الفهارس 899/2 فكيك بالكاف.
(3) كذا
صفحة الكتاب 83
__________
قرية الشيخ عبد الرحمن الفقيقي شيخ شيوخي الذين اخذت عنهم اليد منهم الشيخ عبد القادر بن محمد بن سماحة الحمياني الذي سيجيء ذكره قريبا إن شاء الله، وزرت قبر الشيخ عبد الرحمن المذكور وعلى قبره جلال من الهيبة حتى قلت(1) في بعض الاوقات، وانا جالس قبيل(2) وجهه فزعت من الهيبة حتى قلت له ؛ يا سيدي عبد الرحمن قابلني بالانس لا تقابلني بصفة الجلال، فإني ما اتحمل ذلك لضعف تركيب مزاجي وكبر حالك، وقبره في قبور بعيدة من القرية.
ثم سرت من هذي المكان مع زوار الى بلاد الشيخ عبد القادر الحمياني المذكور قريبا وقمت في المكان حتى وجدت زائرين إليه من وادي فقيق على حمير تشتغل بالأسفار، وكان هذي الشيخ في مكانه ووقع بين قبائل الجهة حرب واعتزل منهم في مشارق أراضيهم بنحو خمس مراحل بينه وبين فقيق، وكان خبر هذي الشيخ يصل إلي وانا في مدينة فاس،
وكنت أتمنى لقاءه لما يوصف لنا من احواله من تلقين الذكر للمريدين والأخذ عنه، وهو ينسب في الخرقة الى الشيخ عبد الرحمن الفقيقي عن الشيخ احمد بن يوسف الملياني عن الشيخ احمد زروق، واضمرت ان لا احكي لهذا الشيخ بحالي ولا من اين جئت إليه هذه السنة، ولا اذكر له نسبي إن كان على ما يقول فقراؤه ان لابد يطلعه الله على حالي، ومن وقفت بين يديه من الاولياء في سفري هذا الذي وصلت فيه إلي دون الساقية الحمراء التي هي أقصى بلاد سوس في المغرب،
فلما وصلت إليه مع الزوار، ودخلوا عليه الزوار قبلي، ودخلت انا في مكان آخر اريد اتطهر من تعب سفر الليل وننظر ما يحدث مع الشيخ في امري فلما تصفحهم ولا وجدني معهم، قال اين الشريف الذي جاء معكم؟ فقالوا ما جاء معنا شريف إلا رجل عليه هيئة البداوة، فأرسل إلي من يأتي بي، فقال لي الرسول، اجب الشيخ فجئه إليه فقام في وجهي وسلم علي سلام محب لمحب، وهم(3) كما قال الله تعالى في نبيه يوسف ( وكانوا فيه من الزاهدين).
فقالوا لي لم اخفيت نسبك وانت شريف، فقلت من راس (2) الشيخ اولى من ذكري لكم ذلك لئلا تصيروا في محذور ( و) منكم من
__________________
(1) كذا
(2) الضمير يعود إلى رفقته
(3) كذا في الأصول.
صفحة الكتاب: 84
_______
ذكري لكم ذلك لئلا تصيروا في محضذور (و) منكم من يصدق ومنكم من يكذب او نكلفكم ما لا تطيقون او يهون عليكم الشرف فكان السكوت احب إلي حتى جاءت من الشيخ، فكنت مهان عندهم وعند الشيخ عظيم القدر، فأخذت المقعد عنهم أعني مقعد الشيخ رضي الله عنه، وقال الشيخ كلاما رضي الله عنه من جملته كان يساءلني عن فلان وعن فلان وعن الاماكن التي وصلت اليها،
ومن لقيته من الاولياء في تلك الاماكن إلى أن وصل في البحث علي يسالني (1) عن صاحب الصومعة الذي على ساحل البحر المحيط، فقلت له ما وصلت إليه لاجل البعد عن المكان الذي وصلته، قال لي؛ إنه قريب من ذلك المكان نحو نصف يوم، فقلت له؛ ذكروا (2) لي الذي يرعون في شطوط المفاوز أهل إبل ايام الشتاء حيث الإبل تصبر على الظماء لكن قالوا لي؛ الكفار لا يزالون يتصدون للمسلمين في هذه الامكنة وان للكفار في هذه الجهة مراسي يرسون فيها المراكب ليسرقوا اطراف البدو الذي يرعون حول هذه المرسى،
فقال الشيخ ذلك الذي في الصومعة ما هو منا يا المغاربة (3) وان عليه درك في هذا المكان وهو من أولياء المشرق فقلت له والله يا سيدي ما احد سألني عن الذي سالتني ولا احد درى إلا الله ولا حكيت لاحد من الناس لا من قريب ولا من بعيد إلا حيث سألتني عنه فقال لي والله ما تحركت ولا سكنت إلا وعيني عليك او كلام ما في هذا معناه،
وكان عنده واحد يريد السفر، فقال له الشيخ اقم عندنا إلى غد فإنهم وافدين علينا زوار كثير ومعهم شريف طاف بلاد سوس يحكي لنا باخبار تلك الجهة، وانت تسمع والسؤال من الشيخ والجواب مني عليه، وذلك الرجل يسمع، فلما قام الشيخ قمت معه إلى منزله فقام إلي الشيخ وذكر لي الراتب الذي من الشيخ احمد بن حميدة المذكور، وكان الراتب نحوا ثلاثة عشر اسما او احد عشر إسما من اسماء الله
____________________
(1) كذا ولعل صواب العبارة " إلى أن وصل البحث فسالني عن صاحب الصومعة..." الخ.
(2) كذا على لغة اكلوني البراغي.
(3) يا المغاربة: اي ايها المغاربة هنا ياء المنادي تستعمل في عامية حضرموت بمعنى ( كافة) او جميع.
صفحة الكتاب 85.
______________________
الحسنى المامور بالتعبد بها، فقال لي الشيخ: خذ منها خمسة واترك الباقي فقلت له اذكرهم لي الجميع واعطني ما اخترت لي منهم فعدهم لي واحدا واحدا واختار لي خمسة اسماء، وامرني بالملازمة لتلك الأسماء الخمسة مع كل فرض مائة منها ايام الاقامة عنده، ثم توسم في غلبة ذكر الجلالة علي والتعلق بها فامرني بذكر الجلالة دون ذلك الخمسة الاسماء،
فاقمت عنده اياما في اطيب حال وانعم بال مع طلبة العلم والفقراء ويقرأ بين يديه كتاب البخاري بعد صلاة العصر الى إصفرار الشمس، وطلبت منه العزم إلى المشرق، فطلب مني الإقامة عنده وتحت نظره فرايت نفسي مولعة بالمشرق، فقلت له يا سيدي رايت نفسي سائرة الى المشرق كما يسير السحاب في الهواء،
فقال لي الأمر كذلك فاخذ ثيابي وألبسني ثيابا دون ثيابي في الرثاثة وناولني عكاز وبرنصا ومسبحة وكوفية، وقال لي هذا لباسك مني خرقة التصوف، ورقة الإشارة كما ألبسني شيخي عبد الرحمن الفقيقي، وكما ألبسه شيخه احمد بن يوسف الملياني المنسوب الى بلاد تسمى مليانة معروفة في مشارف بلادنا دون تلمسان إلى المشرق،
وتوجهت الى المشرق مع اناس وجدتهم عنده من مشارق الارض في خبوت وعمائر إلى أن دخلت مدينة قابس(9) في آخر شهر رمضان ووجدت في هذه الطريق ما بين بلاد الحمياني وقابلتها معمورة فيها قرى واوقاف الحجاج ثلاثة ايام اقامتهم في ذلك وعدوهم فيهم خير معهم اناس متمسكين بالصلاح من آبائهم واجباتهم......
------------------
(1) غطاء للراس: توسع دوزي في شرحه في المفضل بأسماء الملابس ص66.
(2) قابس: مدينة من البلاد الإفريقية بينها وبين القيروان اربع مراحل وتعد من البلاد الجرادية
(3) قدامك: امامك.
صفحة الكتاب: 86.
تحقيق مقدم الطريقة الشيخية الشاذلية حاكمي مصطفى.
<< لتحميل الكتاب إضغط هنا
من العلماء الصالحين الذين اخذوا الذكر والإجازة والسلوك في الطريقة الشيخية عن الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد المعروف بسيدي الشيخ رحمه الله .
الفقيه العلامة الشريف سيدي يوسف بن عابد بن محمد الحسني الفاسي