( الحلقة الثامنة من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

( الحلقة الثامنة من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحابته أجمعين

تحياتي العطرة المباركة الطيبة بطيب هذا الشهر المعظم إلى جميع متابعينا بجميع أطيافهم وانتماءاتهم وقناعاتهم. أذكر أننا هنا قد التزمنا بتسليط الضوء على الجوانب الخفية من هوية وحياة هذا الشيخ الجليل، فهي الحقيقة كل الحقيقة، وكلامنا يعرض ولا يفرض، وكل إنسان يؤخذ من كلامه ويترك إلا الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه، فهو الكامل المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى...

أقول هذا لأني قرأت في بعض التعليقات بعض التحفظ أو التهكم حتى. أقول لا ضير، فقدوتنا وحبيبنا سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعرض لأبشع أنواع السخرية والاستهزاء كما يذكر القرآن ذلك، وهذه هي طريقة الصالحين ودأب الخواص، لأن طريق اللجنة محفوفة بالمكاره والأشواك...

ومن جهة أخرى، فإن وجود كثرة الأعداء للشخص والمعاندين له، لهو دليل قاطع على علو مكانته كسنة اجتماعية كونية ثابتة جارية. فعلى قدر علو مقام الشخص ومكانته يكثر أعداؤه، وتكثر الافتراءات في حقه، والطعن في عرضه، وإلا فالأشخاص العاديون ليس هناك أي اهتمام بحياتهم حيث تمر أيامهم في غفلة تامة وسكون عميق.

ومن جهة أخرى، فإن الأمر لله من قبل ومن بعد، هو الذي يقيم عبده كيف يريد لحكمة يعلمها. فهناك من خواص عباده من اختار لهم الخفاء لحكمة يعلمها، وهم كثر بلا شك، وهناك من اختار لهم الظهور وهم كثر أيضا، مع ما يلازم الظهور من عقبات وشدائد، وعنايته سبحانه وتعالى تصاحب هذا الفريق وذاك، وهذا من معاني تجليات صفاته: الظاهر والباطن...

وهكذا فقد شاءت إرادته سبحانه وتعالى أن يقيم عبده محمد بن العربي الملقب بوعمامة رحمه الله في باب الظهور، فكان في شأنه ما كان من الطعن والتكذيب والمعاداة وسوء التقدير وكأنه من خارج دائرة الإسلام، بدون حجة ولا دليل ينجي صاحبه مع الله يوم الحساب،...

ومن جهة أخرى، لست أدري ما هي الحكمة التي قدر الله بها إقامة عبده في الظروف الاستثنائية التي انطلق منها الرجل، كونه خرج من حدود معينة، وانتقل إلى بلد آخر ليقوم بما قام به. فلو قدر للرجل أن يولد في أي بقعة من أرض الجزائر، قريبة من مسرح الأحداث أم بعيدة، وقام بثورته هناك، لظلت يقينا جميع الأقلام لا تخلد عنه إلا البطولات، وجميع الألسن لا تذكره إلا بخير، ولا تطنب إلا في محامده، ولم تستثن منها إلا أقلام وألسن الأعداء بطبيعة الحال. أما وقد كانت ظروفه ما تعرفون، صار من الطبيعي أن يتعرض لما تعرض له من تلك الدعاوي الباطلة والصورة المشوهة التي ما أنزل الله بها من سلطان...

ومما زاد من خطورة الوضع، أن المخزن المغربي كان آنذاك في غاية الضعف كما يشهد بذلك مؤرخوه الرسميون بمن فيهم الأستاذ عبد الوهاب بن منصور رحمه الله. وكان في خوف شديد من مطامع الاستعمار الفرنسي التي كانت تبدو واضحة بالترامي على أرضه، لذلك كان يحاول أن يكمم جميع الأفواه ولو محقة، ويسد جميع المنافذ ولو كانت مفيدة، لأنها من شأنها أن تتخذها فرنسا ذريعة لتحقيق مطامعها. والأكيد أن الشيخ بوعمامة لو قدر لن أن يعيش في زمن المولى عبد الرحمان بن هشام في فتره الأولى، لكان يعتبر من أعظم الأبطال في تاريخ بالمغرب قبل أن يكونه في تاريخ الجزائر. غير أن حكمة الله اقتضت خلاف ذلك لحكم يعلمها..

والحالة هذه، فإننا هنا نريد أن نضع القارئ الكريم أمام حقيقة الأوضاع الخفية، التي لا يأبه لها كثير من الناس حينما يتناولون الحديث عن هذا الشيخ الجليل، خصوصا أولئك الذين ينجرفون بسهولة مع التيارات، تسوقهم إلى حيث تميل...

لقد آن الوقت إذن أن تظهر الحقيقة كاملة عن الرجل...

ـ ليس فقط لمريديه وأتباعه ومحبيه من جميع بقاع الدنيا، فهؤلاء يعرفون عنه يقينا ما يعرفون وهم على ذلك ثابتون، لأنهم على حق...

ـ وليس فقط لعموم الناس المحايدين الذين لم يسبق أن وضحت الحقيقة أمامهم عن الرجل، فهؤلاء يقينا سيستفيدون من هذه الحصص، لأنها ستضيء عليهم ما كان مظلما، وتوضح لهم ما كان مبهما،

ـ وإنما ستظهر الحقيقة الدامغة بالخصوص، لأولئك الذين يعادون الرجل من أجل المعاداة، يعادون لأنهم وجدوا آباءهم كذلك دون مراعاة لظروف أسلافهم، ودون مراعاة للذم الخطير الذي يرتبه القرآن الكريم عل قولة: وجدنا آباءنا.. فأصروا إلا أن يصدروا من الأحكام ما ترضي أهواءهم ظلما وعدوانا..

ـ إلى هذه الفئة الأخيرة أقول...

لقد أخذنا على عاتقنا حاليا بأن نعرف بالرجل على حقيقته، بما توفر لدينا من معلومات أكيدة وقناعات يقينية، لنصحح ما كان عنه مغلوطا، ونوضح ما كان مبهما، ونؤكد ما كان مقبولا، حتى نبرئ ذممنا من حقه علينا أمام الله، وستبقى الحجة أمامكم، فمن شاء منكم أن يقتنع فليقتنع، ومن شأن ان يتمادى في غيه وضلاله فليفعل،.. ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون...

كانت هذه الحصة استثنائية بامتياز، أردت بها أن أرد على بعض ما ورد في بعض وسائل الإعلام، وما ورد في بعض التعليقات التي تتطلب موعظة وتنبيها خاصا، لعل أهلها أن يرعووا عما هم إليه ذاهبون، ولله الأمر من قبل ومن بعد...

وفي الحصة القادمة سنواصل سيرنا العادي إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أخوكم أحمد حاكمي
تاريخ النشر . 27-05-2021

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004