( الحلقة السادسة من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

( الحلقة السادسة من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحابته أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قراؤنا الفضلاء، ومرة أخرى رمضان مبارك سعيد..

تطرقنا في المقالة الماضية إلى جزء من المراحل التي سبقت ظهور الشيخ بوعمامة. ووصلنا إلى حين بداية ظهور الفتور في ثورة أولاد سيدي الشيخ الشراقة. وكان ذلك أمر طبيعي جدا، نظرا لعدة أسباب منها:

ـ تمكين فرنسا من التوغل في أوساط بعض القبائل بوسائل الحيل والمال والترهيب..

ـ توزيع مناصب سخية على رؤساء وشيوخ القبائل للتحكم في رقابهم...

ـ استعمال وسائل القهر للردع والتخويف في حق كل من سولت له نفسه الالتحاق بصفوف الثورة...

ـ تعدد الزعامات مما سبب في بعثرة الطاقة وتشتيت القوة، مما أدى إلى ضعف ووهن الجميع

ـ زرع بذور الشقاق والخلاف بين زعماء الثورة حتى لا تتوحد صفوفهم...

ـ الدعم المستمر للجيش الفرنسي بالعدة والعتاد من حكومة باريز...

ـ إلى جانب تكوين جيش خاص من الجزائريين المجندين بالقوة يسمى السبايس، وكذلك الفيالق الإفريقية. وقع ذلك سواء بالإكراء أو الإغراء، هذا النوع من الفيالق كانت تجعله فرسنا في الواجهة أثناء الملاحم لتحمي به جيشها الأساسي من الضربات الموجعة...


ـ أضف إلى ذلك تضييق الخناق على زعماء الثورة بسد جميع منافذ التزود والتموين...

وإذا ما عرفنا أن الجيش الفرنسي كان جد متمرن على القتال في حروب عالمية سابقة، وكان جد مجهز بأحدث الأسلحة آنذاك، وفي المقابل كانت جيوش الثورة عفوية اندفاعية غير مدربة، ولم يكن بحوزتها إلا الفتات من الأسلحة، فلولا شجاعة الشخص الجزائري ونخوته العالية، ما كانت الثورة لتثبت كل تلك المدة،...

قلت، كان هذا الاختلال البين في موازين القوة والعدة والاستعداد، سرعان ما رجح كفة المواجهات المباشرة لفائدة المستعمر. ورغم أن الفيالق الجهادية غيرت من خططها باتباع حرب العصابات التي أرهقت المستمر بعض الوقت، ولكنها لم تكن كافية لمواجهة أحد أعتى الجيوش في العالم آنذاك لتستسلم أخيرا...

ومع نهاية سبعينات القرن، اضطر زعيم فصيل الشراقة للمساومة قصد الاستسلام، بعد ما قدمت له فرنسا بعض الأتوات وبعض الضمانات له ولجيشه، على أن يضعوا حدا للثورة، فكان الأمر كذلك رسميا سنة 1879...

في نفس تلك الفترة بالذات، كان هناك شاب يافع يترعرع بمدينة فجيج، يسمى محمد بن العربي بن الشيخ بن الحرمة بن محمد بن براهيم بن التاج بن عبد القادر ( سيدي الشيخ). ولد هذا الشاب بمدينة فجيج في قصر الحمام الفوقاني، أين لا زال منزله قائما لحد الآن, إلى جانب مكان خلوته أين كان يتعبد، وأضرحة كل من أبيه وعمه وبعض أقاربه. كان هذا الشاب يتحسر ألما عما يروج من أخبار مؤلمة عن مسار الثورة. وكانت الطاقة الهائلة التي أودعها الله فيه تتخمر وتتخمر وتنتظر لحظة الانفجار...

كان هذا الشاب قد تلقى القرآن وأساسيات العلوم الشرعية على يد والده الفقيه سيدي العربي، وعلى يد عمه سيدي لمنور، وغيرهما ممن كان آنذاك من الفقهاء بحاضرة فجيج التي تعج دائما بالطاقات العلمية. وكان قد تلقى علوم التزكية والتلقين على يد كل من والده، وشيخه في التربية سيدي محمد بن عبد الرحمان من آل سيدي بنعيسى، الذي كان قيما آنذاك على مقام جده سيدي سليمان بن بوسماحة الكائن بمدينة بني ونيف على بعد أميال من مدينة فجيج. هذا الشيخ الأخير، سيدي محمد بن عبد الرحمان، هو الذي أثر في حياة الشاب محمد بوعمامة بشكل كبير.

فقد لازمه السيد بوعمامة بمعية زوجته وابنة عمه السيدة ربيعة بنت السيد لمنور، لردح من الزمان بالخدمة الجادة المنتظمة، إلى أن أجازه وأشار عليه بفتح زاوية خاصة به. وكانت هذه الإشارة هي التي كان ينتظر بشغف منذ مدة، ليكون مأذونا من سلسلة مشائخ طريقة أسلافه الغراء، الطريقة الشيخية، التي سيكون له معها شأن واي شأن في ما بعد. وإلى جانب الشيخ محمد بن عبد الرحمان السالف الذكر، كان السيد بوعمامة قد تلقى تلقينه الأول في شكل إشارة من طرف الشيخ حمزة بن بوبكر مبكرا في فترة شبابه، في قصة متواترة...

وكان أن تاقت نفس الرجل بعد هذا الاذن المبارك، ـ إذن أعطاه دفعة معنوية عالية، ـ للتنقل إلى قرية مغرار السفلية، أين يوجد ضريح جده سيدي براهيم، إلى جانب إحدى زوايا جده الكبير سيدي عبد القادر بن محمد (سيدي الشيخ)، الذي يرتفع نسبه إليه عن طريق أحد أصغر أبنائه المسمى سيدي التاج. وكان الرجل على يقين بأن المهمة لن تكون أمامه سهلة، لأن فرنسا لن تسمح بظهور عنصر سيشوش عليها من جديد، خصوصا إذا كان الشخص قادما من خارج الحدود التي كانت تفرض سيطرتها عليها بمنطق القوة كما هو حال شيخنا موضوع الحديث...

هذا الرجل، كان عمره آنذاك في الأربعينيات، وكان يدرك يقينا بأنه سيخاطر بحياته هناك، وهو يعلم بأن المنطقة ملغومة بالجواسيس وأصحاب المناصب المشبوهة، الذين يترصدون بالتقاط كل شاذة وفادة، يتسارعون إلى إبلاغها لأسيادهم قصد الحصول على حظوة ما، أو فتات من الدنيا قليل...

فهل سينجح بسهولة، أم هل سيتلقى عقبات، وهل سيتعرض للفتن والمحن، وهل سيؤدي به ذلك في النهاية إلى دخول الملاحم الخطيرة...

تابعوا معنا قراءنا الكرام، الحصص القادمة لنسير مع هذا الرجل خطوة خطوة، نسبر أغوار مسيرته المظفرة بحول الله، لنعطيكم الحقيقة الكاملة عن هويته، عن سيرته، عن حقيقته...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

أخوكم أحمد حاكمي
تاريخ النشر
22-05-2021

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004