( الحلقة الرابعة من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

( الحلقة الرابعة من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين...

على بركة الله نبدأ....

هناك فارق كبير بين:

... أن نعيش الأحداث ميدانيا، نعيش آلامها وظروفها الصعبة، نعاني من ويلاتها وهمومها، نذوق مرارتها، ونكابد ظروفها، خصوصا حينما تتعقد وتتشابك، وتخبل الفرد والمجتمع من كل جانب وتلفهما دون أن يكون منها مخرج أو خلاص...

... وبين أن نصدر عليها الأحكام جزافية، هكذا دون مراعاة لملابساتها، نصدر الأحكام من على الكراسي الفاخرة، وفي الظروف الراحة والهناء والترف والنعيم، نصدرها بمجرد التخيل أحيانا والهوى أحيانا، واجرافا مع الغير أحايين أخرى...

هناك بون شاسع بين الأمرين، بين الحالتين، بين الوضعين، فهل يستطيع من لم يعش في حياته تجربة لحظة واحدة من المعاناة، ولم يستشعر للأحداث التي يتبجح بالحكم عليها ظروفها وملابساتها، هل يستطيع أن يصدر عليها أحكاما تحاكي أو تقارب الصواب... لا أبدا... لا أبدا باليقين...

أضف إلى ذلك، حينما تكون هناك ظروف مشددة أو معقدة (بخفض الشين والقاف)، كما كان الشأن بالنسبة للشيخ بوعمامة، فهنا تكون الأحكام الجزافية أغرب ما يكون...

هذا الرجل، لمن لم يطلع على حقيقة تاريخه، كانت كل الظروف أمامه جد قاسية استثنائية، وكانت جل الحظوظ والأسباب أمامه معكوسة. فلو لم يكن الشيخ بوعمامة بالذات بما أوتي من قوة في الشخصية، وخصوصية في العناية الربانية، لو كان شخصا آخر، كائنا من يكون، لانهار في زمن يسير باليقين، وحق له أن ينهار دون أن يلام. غير أن عظمة شخصية الرجل، واليقين الخارق الذي كان له مع ربه، والعناية الربانية التي كانت ترافقه وتصنع له العجب العجاب في أحلك المواقف،

ساعدته على الصمود طيلة ما يزيد عن ربع قرن من الزمان، رغم الاختلال الواضح في موازين القوة، ورغم الحبائك التي كانت تدسها الأعداء من مستعمر وسواه، ورغم الدسائس الشيطانية التي كان يتعرض لها، ورغم الخذلان المتنوع، بل ورغم الخيانة الرهيبة التي تعرض لها من طرف الأقارب في أصعب اللحظات، ما كان ليخلد تاريخا عظيما يحق له أن يكتب بما هو أغلى من ماء الذهب.

وقبل أن نتطرق للتعريف المباشر بالرجل، لا بد أن نمهد له بوقفات مع الظروف التي سبقت خروجه للوجود وظهوره في الميدان. ويبدو أن هذا التمهيد لا يكفينا فيه مقال واحد، فعذرا للأحباب، واصبروا معنا لنسير على مهل بثبات إن شاء الله..

وقبل ذلك أقول، إننا إذا ما أردنا أن يكون حكمنا على الشيخ بوعمامة أقرب ما يكون للحقيقة، فلا بد من الأخذ بعين الاعتبار مجموع النقاط التالية:

ـ أولا:

معرفة الظروف التي كانت سائدة في دنيا الناس آنذاك، منذ اللحظة التي وطئت فيها أقدام العدو أرض الإسلام الطاهرة بسيدي فرج، بأرض الجزائر سنة 1830...

ـ ثانيا:

معرفة الظروف السياسية المعقدة التي كانت سائدة بين كل من سلطان المغرب آنذاك، مولاي عبد الرحمان ابن هشام، والأمير عبد القادر بن محي الدين من جهة، وبين المستعمر الغاشم في المرحلة الأولى من جهة ثانية...

ـ ثالثا:

معرفة الآثار والمخلفات التي ترتبت عن الهزيمة النكراء التي تعرض لها الجيش المغربي في معركة إيسلي، والتي تمخض عنها انقلاب كامل لمواقف قصر فاس تجاه الأمير عبد القادر، وكانت بداية نهايته...

ـ رابعا:

معرفة محتويات الاتفاقيات التي تمخضت عن تلك الهزيمة، وخصوصا اتفاقيتي طنجة ولالة مغنية، هذه الأخيرة التي كانت سببا في الكثير من المعاناة لقبائل الحدود، وخصوصا قبيلتي أولاد سيدي الشيخ وحميان...

ـ خامسا:

معرفة سلسلة الثورات التي قام بها الشعب الجزائري الحر لمقاومة الاستعمار الفرنسي، انطلاقا من ثورة الأمير عبد القادر التي كادت أن تعطي الثمار لولا بعض الأخطاء القاتلة، مرورا بثورات كبرى أخرى، كثورة المقراني، وثورة الزعاطشة، وثورة السيدة فاطمة نتسومرت، وانتهاء بثورة أولاد سيدي الشيخ بمراحلها الثلاث قبل مرحلة الشيخ بوعمامة، خصوصا مرحلة 1864 الشهيرة...

ـ سادسا:

معرفة الأسباب التي دفت الشيخ بوعمامة رغما عنه أن ينتقل من حاضرة فجيج إلى منطقة مغرار، أين اضطر إلى تكوين زاوية تمهيدا لتنفيذ مخططه الجهادي...

ـ سابعا:

معرفة الضراوة التي كانت تتسم بها المرحلة الأولى من ثورة الشيخ بوعمامة سنة 1881، خصوصا في معاركه الأولى أين ظهر على الجيوش الجرارة للمستعمر بشكل كبير كما تشهد بذلك وثائقهم، وقام بالرحلتين الشهيرتين اللتان أذل فيهما فرنسا شر إذلال..

ـ ثامنا:

معرفة الظروف والملابسات التي قلبت موازين المواجهات لصالح فرنسا، ومن كان وراء ذلك، وكيف اضطر الشيخ بوعمامة للعودة لمنطقة فجيج بأرض المغرب سنة 1883...

ـ تاسعا:

ما هي الظروف الجد استثنائية، الجد قاسية، التي أرغمت الشيخ بوعمامة أن يهجر منطقة فجيج منفردا ويستقر بإقليم توات، بمنطقة دلدول بالذات، أين قضى قرابة عقد من الزمان ينبي معسكره من جديد استعدادا لاستئناف الثورة..

ـ عاشرا:

معرفة السمعة العالية والتقارب الكبير الذي حضي بهما الشيخ بوعمامة في تلك الفترة مع المخزن المغربي، خصوصا مع الأمير مولاي رشيد نائب السلطان هناك (أذكر أن مولاي رشيد هذا ليس هو مؤسس الدولة العلوية كما قرأت اعتراضا في احد التعقيبات)...

ـ أحد عشر:

معرفة الاستعداد الكبير للشيخ بوعمامة حين اقام معاهدات على الجهاد في صفوفه مع ما يزيد عن خمسين قبيلة من تلك المنطقة، بمن فيها مع الشيخ العربي المدغري شيخ قبائل المنطقة..

إثنا عشر:

معرفة الدوافع لتنقل الشيخ بوعمامة للعودة إلى منطقة فجيج، حينما أبان الاستعمار عن تكشير أنيابه لاحتلال فجيج، وعجز المخزن أن يحمي المنطقة...

ـ ثلاثة عشر:

معرفة الظروف الاستثنائية التي عاكست الشيخ بوعمامة، تلك التي رافقت وفاة السلطان الحسن الأول في نفس اللحظة التي حط بها الشيخ الرحال بمنطقة فجيج سنة 1894...

ـ أربعة عشر:

معرفة كيف انقلب المخزن على الشيخ بإيعاز من فرنسا حينما خلا القصر من الشخصية القوية، وكيف تكالبت على الشيخ كل من فرنسا والمخزن وقبائل الناحية في نفس الوقت...

ـ خمسة عشر:

معرفة الظروف الجد الاستثنائية، التي دفعت بالشيخ للتحرك نحو شمال المغرب بمنطقة وجدة، والاقتراب من بوحمارة، بسبب الاتفاقيات السرية والعلنية لتحالف كل من الركينة باسم المخزن، وليوطي باسم فرنسا على تقويض الشيخ بوعمامة من الشمال والجنوب للتعاون على القضاء عليه...

ـ ستة عشر:

معرفة المساحة المكانية التي ظل الشيخ بوعمامة يتحرك فيها طيلة حياته، منذ مولده سنة 1840، إلى حين وفاته سنة 1908، سواء بالرقعة الأرضية التي تدخل حاليا في أرض الجزائر، أو تلك التي تدخل حاليا في أرض المغرب،

ـ سبعة عشر:

معرفة المعيار الذي يتم بموجبه تحديد جنسية الشخص، هل بموطن المولد، أم بموطن الوفاة، أم بالإقامة في ما بينهما...

ـ ثمانية عشر وأخيرا:

معرفة جل ما كتب عن الشيخ، سواء من قبل المحبين، وما أكثرهم بالجزائر الشقيقة، لكونهم يردون الفضل للرجل بسبب ما قدم من تضحيات لفائدتهم، أو من الأجانب الذين كان كل همهم القضاء عليه، وإلا فالنيل من سمعته وتشويه صورته أمام القبائل حتى يسهل عليهم القضاء عليه، أو من بعض المغاربة الذين كتبوا ضده ما كتبوا،

بحكم المناصب الرسمية التي كانوا يحتلون، وقد تكون لهم بعض الإكراهات في بعض ما كتبوا. ولا يفوتني أن أنوه بالقليل المنصفين من المغاربة الذين كانت لهم مواقف جد شجاعة، وعلى راسهم عضو الأكاديمية الدكتور عبد الهادي التازي، والذي ستكون لنا عودة طويلة لشهادته الرائعة، كشخص تقلد أكثر من منصب سياسي رفيع، وكعضو بارز في الأكاديمية المغربية...

هذا، وستكون لنا إضافات كثيرة حينما نتناول هذه النقاط بالتفصيل، وأعتذر عن بعض التطويل لأن وحدة المقطع لا تقبل التجزئة...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخوكم أحمد حاكمي

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004