( الحلقة الثانية و الثلاثون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

( الحلقة الثانية و الثلاثون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم عل سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين...

ما بعد موضوع الأسرى

تحياتي لكم جميعا أحبابنا الكرام، من قراء ومتابعين ومهتمين ومحبين لسلسلة حصص التعريف بالشيخ بوعمامة رحمه الله، أحييكم بتحية الإسلام المباركة الطيبة، وأهنئكم جميعا بعيد الفطر أهله الله علينا جميعا بكل خير وبركة، وبعد...

أضع بين أيديكم الحصة رقم 32 من السلسلة المباركة، والتي بدانا في تحريرها منذ مطلع هذا الشهر الكريم...

نواصل سلسلة التعريف بالشيخ بوعمامة وبمسيرته الجهادية المظفرة التي امتدت على غلاف زمني يزيد عن ربع القرن. ولما كان من الصعب تتبع جميع المعارك وتحليل مجرياتها، فسأكتفي في التحليل بما مضى معنا، على أن أعطي هنا التصور العام لوضعية الشيخ ولجيشه المجاهد، تلك التي واصل بها معاركه الجهادية ضد العدو الفرنسي طيلة سنتين في المرحلة المباشرة الأولى، تلك التي وقعت مجرياتها على الأراضي المنتمية للجزائر اليوم، قبل أن يواصل باقي المسيرة في المراحل الأربع الموالية كما يلي:

ـ المرحلة الأولى من أبريل 1881 إلى مارس 1883:

جرت أحداثها ما بين بني ونيف والأبيض مرمرا بمناطق تيارت وسعيدة ومعسكر والمناطق الجنوبية منها. هذه المرحلة جرت بينه وبين فرنسا 15 معركة..

ـ المرحلة الثانية من مارس إلى يونيو 1883:

كانت هذه المرحلة أصعب المراحل على الشيخ حينما عاد ببقية جيشه إلى نواحي فجيج، فرفض بعض أهالي فجيج تواجده معهم، وكانت بينهم وبين السلطان مكاتبات في شأنه، حيث أعطى السلطان أوامره لأهل فجيج أن يطردوه من بين ظهرانيهم. أضف إلى ذلك، أن بعض القبائل الناحية أيضا انتفضوا ضده بدعوى أن فرسنا ستتذرع به لتلحق بهم الأذى.

ـ غير أن أصعب ما أثر على الشيخ بوعمامة في تلك الفترة بالذات، حينما تحالف بعض زعماء بني عمومته، وقاموا بضيافته حيلة بإيعاز من فرنسا ليلقوا عليه القبض. غير أنه تفطن للخدعة، وبعدما قام بإقرائهم خير إقراء، خرج خلسة بنفسه بمعية زوجته السيد ربيعة ابنة عمه السيد المنور، وأشار إلى حراس الزاوية أن يتركوا أبوابها مفتوحة أمامهم يفعلون فيها ما يشاءون دون مقاومة حقنا للدماء.

وكان أن استولوا على الزاوية بكاملها، بينما صعد الشيخ إلى أحد الجبال متخفيا إلى أن لحقه أحد خواصه، وعاد به مستخفيا بعد ايام حيث مكث ثلاثة أشهر مختفيا عن الأنظار في منزل أحد الفقراء وأعين المخزن تشمشم عليه. ولما تبين أن الأعين بدأت تتحسسه، جيء له ببعيرين وبعض الزاد فخرج مهاجرا ليلا برفقة زوجته واثنين من خواصه نحو الجنوب في رحلة طويلة امتدت ستة أشهر إلى أن بلغ به المقام بمنطقة دلدول في أحد القصور يسمى قصر ولاد عبو...

ولكم أن تتخيلوا أحبابنا الكرام، رجل أرعب فرنسا على قوتها وجبروتها فأقامها وأقعدها، واذاقها البأس الشديد في العديد من المواجهات، فإذا به بين عشية وضحاها يتعرض للغدر من أقرب الناس إليه، ويستسلم لهم بالكامل، ويتنازل لهم عن جميع ما بناه منذ ما يزيد عن ثمان سنوات، دون أن يطلق ولو رصاصة واحدة، هل تظنون أنه فعل ذلك خوفا منهم... قطعا لا، أنما فعل ذلك:

ـ لتفادي سفك دماء المسلمين في ما بينهم، في الوقت الذين هم فيه أحوج ما يكون للاتحاد...
ـ عملا بوصية شيخه سيدي حمزة حينما أوصاه خيرا بأولاده منذ أن مرر له الأمانة حينما كان شابا.
ـ وتحكي الرواية الشفهية أنه قبل أن يقدم عليه بنو العمومة جاءه شيخه وجده سيدي الشيخ في المنام وأخبره بما سيقع وخيره بين أمرين:

ـ فإما أن يواجههم بالقوة، وسينتصر عليهم، ولكنه سيفقد المكانة العليا التي تنتظره...
ـ وإما أن يستسلم ويترك لهم الزاوية بكاملها، وسييبلغ بعد ذلك مكانة عليا من العز والمجد..
أو كما يعبر عنها باللسان الدارج: خير بين عز نهار وذل لبدا، وبين ذل نهار وعز لبدا...
فكان أن اختار العز الدائم، وكان له ذلك بفضل الله...

ـ المرحلة الثالثة مرحلة توالت امتدت من منتصف 1883 إلى غاية 1891:

هذه المرحلة كانت من خير فترات حياته. فما إن تعرف عليه أهل الناحية حتى رفعوا من قدره وكونوا له زاوية يدرس فيها العلوم الشريعة، ويربي فيها الأجيال ويستقبل رفيها الوفود. وقد كان له تجاوب عجيب جدا مع كافة قبائل بما فيها الشخصيات البارزة منها الشيخ محمد بن العربي المدغري شيخ قبائل المنطقة. كما كانت له علاقات جد ممتازة م المخزن في تلك المرحلة..

ـ المرحلة الرابعة، مرحلة العودة إلى منطقة فجيج:

هذه المرحلة بخلاف سابقتها كانت من أصعب المراحل في حياته. ذلك أن الشيخ عاد إلى تلك المنطقة الشائكة بإيعاز من السلطان الحسن الأول عندما تبين أن خطورة فرنسا تتزايد على المنطقة، وأنه ليس هناك من يستطيع أن يحد ن شوكتها دونه، وكذلك لما طالب أهل فجيج أنفسهم بعودته. غير أن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن كما يقال، فما إن بلغ الشيخ المنطقة سنة 1894 حتى انقلبت الأمور رأسا على عقب بموت السلطان الحسن الأول المشكوك في أمره.

وكان أنم تكالبت على الشيخ جميع المكونات بما فيها: فرنسا، والقبائل التابعة، وساكنة المنطقة إضافة إلى المخزن، ولكل طرف ظروفه لا يتسع المقام لتفنيدها. وسيكون لنا حولها كلام لاحقا إن شاء الله..

ـ المرحلة الخامسة، وهي مرحلة الجهة الشرقية بنواحي وجدة:

وهذه المرحلة فيها كلام كثير ومختلط وشائك جدا، حيث يختلط فيها الحق بالباطل، والصواب بالخطأ، والمقصود بغير المقصود، والعفوي بالمبيت...
هذه المرحلة سنوليها أهمية خاصة، لأنها المرحلة التي تكتسي أكثر حساسية من سابقاتها لسبب بسيط، وهي أن البعض يعتقد أن الشيخ جاء لنصرة الروجي المطالب بالعرش، أو جاء لمواجهة المخزن، والحقيقية أن لا هذه ولا تلك صحيحة على الإطلاق، وسنفند ذلك بالحجج الدامغة إن شاء الله تعالى، فلا تستعجلوا...

في هذه الحصة كنت قد أحضرت لكم شهادات دامغة من كبرائهم وعلى رأسهم الطاغية ليوطي، تثبت المعاناة التي كان الشيخ يسببها للعدو الفرنسي. وهي جاهزة، غير أن طبيعة المقال لا تسمح لنشرها جميعا، لذلك سأرجيها لحصة قادمة إن شاء الله...

غير أن النقاط الأهم التي لا ينبغي أن تغيب عنا:

ـ الشيخ لم يكن ليوجه سلاحه لقتال المسلمين قط، والدليل تنازله عن الزاوية بكاملها وهجرته منفردا.
ـ والدليل الثاني رفضه مشاركة بني العمومة في الهجوم على قبيلة ذوي منيع، وكانت تلك القطرة التي أفاضت الكأس ضده كما يقال، حيث اتخذها بنو العمومة ذريعة ضده بأنه خذلهم ليقوموا بنهبه.
ـ هناك مواجهات كان الشيخ يبحث عنها، التي قام بها ضد العدو الفرنسي خصوصا المرحلة الأولى.
ـ ومواجهات كانت تفرض عليه، وهي جميع المواجهات التي كان يقوم بها المخزن أو القبائل الموالية لفرنسا ضده شأن معركة المحال السبع...

ـ أن الشيخ بوعمامة، رغم جميع الصعاب التي لاقى من جميع الأطراف، لم يستسلم ولا ينهزم ولا يساوم حتى طيلة سبع وعشرين سنة كاملة...
ـ أن الشيخ بوعمامة لم ينتقل إلى الشمال لمؤازرة الروجي كما يشاع، وإنما انتقل لما تلقى رسالة من بن عبد الصادق عامل وجدة آنذاك، يخيره بين طرح السلام أو الانتقال إلى الشمال للابتعاد عن ليوطي الذي كان يمارس ضغوطا شديدة على المخزن بسبب الشيخ...

ـ أن اللقاء بين الشيخ والروجي كان لمدة قصيرة جدا، وما أن تبينت للشيخ حقيقة المدعي حتى أدار له ظهره. بل قد وقعت بينهما خلافات شديدة خصوصا بسبب قبيلة الزكارة. والسبب أن الشيخ كان في خلف مع هذه القبيلة، بينما الروجي كان يريد أن ينهبها لأنها رفضت أن تبايعه...

ـ أن مما أثار حفيظة الشيخ في آخر المطاف مع المخزن، ما فعله هذا الأخير مع ابنه السيد الطيب حينما التحق بالمخزن مسالما في خطوة تقارب، غير أن المخزن غدر به ورمى به في السجون، ليكون ورقة سياسية استغلتها فرنسا فنجحت فيها نجاحا باهرا على حساب المخزن. وهذا ما يؤكده الحجوي في مذكراته الطافحة بالمعلومات في الموضوع...

أخوكم أحمد

25-06-2021

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004