( الحلقة الثلاثون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

( الحلقة الثلاثون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم عل سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين...

وشهد شهود من أهلها

تحياتي لكم جميعا أحبابنا الكرام، من قراء ومتابعين ومهتمين ومحبين لسلسلة حصص التعريف بالشيخ بوعمامة رحمه الله، أحييكم بتحية الإسلام المباركة الطيبة وبعد...
أضع بين أيديكم الحصة رقم 30 من السلسلة المباركة، والتي بدانا في تحريرها منذ مطلع هذا الشهر الكريم...

نواصل حديثنا عن سلسلة التعريف بالشيخ بوعمامة رحمه الله...

وصلنا في الحصة الماضية إلى سرد أسماء بعض القبائل التي كانت تناصر الشيخ، وإلى الأسباب التي جعلت البعض منها يتخلف عن ركبه، وإلى الوضعية الخاصة التي وجد الشيخ نفسه فيها بعد ذلك، وإلى كيفية مكافأة فرسنا الشيخ بالتي هي أسوا بعدما سلم لها الأسرى بالمجان...
كما تطرقنا إلى سرد بعض الفقرات من مقال مطول في شكل تقرير من شهادتهم، وبينا بعض الجوانب التي كانوا يعترفون بها كحقيقة عن الشيخ بوعمامة، ولكنهم كانوا يخفونها ظلما لأنفسهم..

وعرفنا أن فرنسا فكرت أولا في تقويض الشيخ من كل الجهات قبل أن تفكر في مواجهته عسكريا حتى لا تتعرض من جديد لما لا يحمد عقباه. فقد عملت بجد على نشر الدعايات الكاذبة لتشويه صورته أمام قبائل المنطقة، خصوص تلك التي كانت تناصره، كما عملت على زرع الرعب والتهديد والنهب على بعضها. وعملت أيضا على سد جميع المنافذ التي يحتمل أن يتم تزويد الشيخ منها، بما في ذلك الاستيلاء على جميع المركوبات، وإثقال كواهل القبائل بالذعائر حتى لا تقوم لها قائمة. وإلى جانب
ذلك عملت على تقوية شبكات التجسس والاستخبار ببائعي الضمائر أو المغفلين أو المغلوبين على أمورهم...

أما الشيخ بوعمامة في المقابل، فلم يبق مكتوف الأيدي، بل ظل يعمل بجد واجتهاد على الإعداد والاستعداد قدر المستطاع، وذلك باختيار الأماكن المناسبة للاستقرار، والابتعاد عن الزاوية المبنية بمغرار حتى لا يكون فريسة سهلة، وإعداد العدة والعتاد، وتقوية شبكة الاستخبار والاستعلام حتى يكون على بينة من تحركات العدو، ومواصلة التواصل مع كافة القبائل المناصرة في سرية تامة، عملا بقول الحبيب:استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان...

لقد كان الشيخ على يقين بأن فرنسا لن يهدأ لها بال حتى تنتقم، ولن تألو جهدا في تأليب كل من يمكن تأليبه من القبائل والعشائر ضده، وتسعى إلى استعطاف الدول العظمى للترويج لقضيتها، كما تعمل قصارى جهودها لإقبار مسألة ثورة الشيخ محليا حتى لا تنكشف أسرارها للعالم،فيتم الحكم عليها على المنابر الدولية بأنها معتدية ظالمة...

لقد صار بديهيا بأن الفريقين معا يستعدان للنفس الطويل، فلا فرنسا ستستسلم للثورة قطعا، لأن الأمر بالنسبة لها يتعلق بمشروع استعماري توسعي مصيري. ولا قائد الثورة بدوره يستسلم، لأنه رغم ضعف إمكانياته وقلة عدده وعدته، فإن الأمر صار يتعلق بالجهاد العيني الذي ليس له أن يولي له دبره بحال،فإما النصر أو الاستشهاد...

في هذه الحصة سأنشر لكم وثائق في شكل مراسلات، كان الشيخ يبعث بها إلى القبائل الموالية، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع الاحتياط...

( الحلقة الثلاثون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

هذه الرسائل الثلاثة مكتوبة في نفس التاريخ تقريبا. وقد تمت كتابتها مباشرة بعد معركة تازينة بستة أيام فقط. أما الرسالة الأولى فكانت موجهة لقبيلة الشعانبة الصامدة المتفانية معه بصدق، يحثهم فيها على الجهاد والالتحاق بصفوف الثورة. والجدير بالإشارة أن يطلب الشيخ فيها أن لا يلتحق به إلا ما جاء عن طيب خاطر. وفي ذلك حكمة بالغة، تفاديا أن يتم نخور الثورة من الداخل بالمترددين والمتشككين وذوي النوايا السيئة الذين قد يسببون الهزيمة....

أما الرسالتين الأخريين فقد تمت كتابتهما في نفس اليوم ولنفس القرية المسماة قرية تاوبالة الكائنة بين مدينة البيض ومدينة الأغواط. ويبدو أن الرسالتين قد كتبتا في وقتين مختلفين من نفس اليوم. أما الأولى فيناشد الشيخ فيها أهل القرية أن يشمروا على ساعد الجد بجمع المساعدات منجميع الأنواع، وان يستعدوا لالتحاق بصفوف المجاهدين، لأن الجهاد صار فرض عين ضد العدو الذي شرع في هتك الحرمات وتدنيس المقدسات، ونهب الخيرات ويعمل على محو الدين والعقيدة...

وفي وقت وجيز بعد ذلك، يبدو أنه وصلته أخبار تفيد بأن فرنسا قد استخبرت بأن قرية تاوبالةتدعم الثورة، وأنها تسعى للانتقام منها، مما حدا به إلى إعطاء التعليمات المناسبة لأهلها ليتفادوا الهجوم المباغت الذي قد يقع من العدو الفرنسي في أي لحظة، أو يستعدوا له على ىالأقل..

والملاحظ أن هذه المراسلات تمت حتى قبل القيام بالمسيرتين، اللتان قام بهما فيشهري يونيو ويوليوز، مما يعني أن النصر الذي حققه في معركة تازينة لم يكن ليثنيه عن توقع الأسوأ والاستعداد له. كما يعني أيضا أن تصوره حينما خاض معركة تازينة أو الشلالة، كان بداية مشوار طويل وطويل جدا وشاق ومضن. كما كان الشيخ على بينة أن مناصرة القبائل له لم تكن لتدوم طويلا، بالنظر لطبيعة الناس أولا، وبالنظر لطبيعة الظروف والملابسات التي تجري فيها الأحداث...

والحقيقة أن الظروف كانت جد مواتية لفرنسا أن تحبك ما تريد من الدسائس والمثبطات أمام مسيرة الشيخ، بالنظر للتفاوت الكبير جدا بين إمكانيات الطرفين، وهذابالذات ما يضفي مصداقية أكبر على مسيرة الشيخ، باعتباره قد استطاع أن يواصل المقاومة لأكثر من ربع قرن، وأن يجري ضد أشرس الأعداد وأكثر الجيوش عددا واستعدادا معارك وصلت إلى 29 معركة منها 14 معركة كبرى،

ابتداء من حادثة 22 أبريل التي تم فيها قتل الملازم وين برينير وفرقته، وصولا إلى المعركة الكبرى التي تكالبت عليه فيها سبعة جيوش كاملة بعدتها وعتادهما، أكثرها من بني جلدته، ومع ذلك فقد استطاع أن يفشل تحالفها، وأن يهزمها جميعا بقدرة قادر، كما سنأتي على التفاصيل الدقيقة لذلك في حينها...

نكتفي هنا بهذا القدر، ونترك لكمفرصة التأمل في قدرة الله، كيف استطاع هذا الرجل الشبه أعزل أن يواجه جميع هذه الملاحم الكبرى وينتصر فيها، وهو مطوق من جميع الجهات بما في ذلك:

ـ القوات الفرنسية من كل جهة خصوصا من الجهة الشرقية
ـ قوات المخزن المغربية في بعض الأحيان حينما كانت فرنسا تقوم بالضغط عليه...
ـ قوات القبائل الموالية لفرنسا وما أكثرها،
ـ قوات القبائل التي كانت ترفض أن يستقر الشيخ بمناطقها..
ـ وأخيرا قوات أخرى من قرابته نتنزه عن الخوض في تفاصيلها...
غير أن مدد قوله تعالى: ولينصرن الله من ينصره.. لم يكن ليتخلف عنه أبدا...

تحياتي لكم جميعا...

أخوكم أحمد

23-06-2021

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004