( الحلقة السادسة والعشرون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

( الحلقة السادسة والعشرون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم عل سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين...

موضوع الأسرى وقمة الإنسانية تابع

تحياتي لكم جميعا أحبابنا الكرام، من قراء ومتابعين ومهتمين ومحبين لسلسلة حصص التعريف بالشيخ بوعمامة رحمه الله، أحييكم بتحية الإسلام المباركة الطيبة وبعد...

أضع بين أيديكم الحصة رقم 26 من السلسلة المباركة، والتي بدانا في تحريرها منذ مطلع هذا الشهر الكريم...

نواصل سلسلتنا المباركة التي نعرف يفها بالشيخ بوعمامة بن العربي، حتى يكون جمهورنا الكريم على علم بحقيقته، ويصحح جميع الشبهات التي تروج حوله، ويصحح جميع التشويهات التي يريد المغرضون إلصاقها به. وفي هذه الحصة، سنتطرق لموقف عظيم جدا، لا يستطيع القيام به إلا الرجال العظماء من طينة الشيخ بوعمامة. وقد سبق به جميع العهود والمواثيق التي تتبجح بها مؤسسات الحقوق على مختلف مستوياتها.

عرفنا في الحصة الماضية كيف كان الشيخ رحمه الله يعامل الأسرى معاملة إنسانية في القمة، حتى أنه كان يشاطرهم خبزه. وكان يخاطبهم بالقول بما معناه:

نحن للسنا أعداؤكم لأننا إخوة في الإنسانية. في ما يتعلق بالدين لكم دينكم ولنا ديننا، لأنه جاء في ديننا الحنيف أنه لا إكراه في الدين. ولكن مشكلتنا معكم هي مشكل الظلم والاعتداء، بحيث فضرتم علينا ضرورة الدفاع عن أرضنا وأنفسنا. ولو كنتم أتيتمونا مسالمين لاقتسمنا معكم جميع ما لدينا من خيرات، ولكننا نأبى الظلم ونأبى الاعتداء. وبما أننا نعرف أنكم أنتم مغلوبون على أمركم لأن أموركم بين أيدي مسؤوليكم، صار لزاما علينا أن نعاملكم بالحسنى حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، ولكننا لا نقبل تصرفات مسؤوليكم أبدا، وسنظل نقاتلهم حتى ننتصر أن ننال الشهادة، وكلتا الحسنيين مطلوبة عندنا بقوة...

ولكن فرنسا لم يهدأ لها بال، ولن يحلو لها نوم، ولم تستسغ ماذا فعل بها هذا المرابط الصغير كما كانت تسميه. إنه وإن كان في أعينهم صغيرا ربما من حيث الشكل، إلا أن وزنه أثقل مما لا تتصوره العقول، ويحتمله المنطق العقلي المجرد. وبدأت التخطيطات الماكرة لتخليص الأسرى في أسرع وقت ممكن، اعتقادا منهم أنهم يعيشون تحت التعذيب الهمجي كان هو شأن أفعالهم هم مع الأسرى الذين يقعون بين أيديهم. وبدأت الضغوط تتوالى علي المسؤولين المحليين، سواء من طرف السلطات المركزية بالجزائر العاصمة، أو من طرف السلطات الأعلى مما وراء البحر...

والأكيد أن فرنسا كانت تستعين بالخونة ضعفاء النفوس ممن كانوا في خدمتها من أبناء الوطن. وكان أو أوحى بعضم لقائد منطقة تلمسان بفكرة جهنمية، كان على يقين أن الأسياد سيبلغون بها لمراد. أوحى من أوحى منهم لقائد تلمسان بأن الحل الوحيد الذي تستطيعون به استرجاع الأسرى عم اللجوء إلى ما يسمى بربط العار على الشريف المجاهد، فإنكم إن أنتم دخلتم عليه من هذه النافذة فإنه لن يبخل عليكم بكل ما تريدون. وزاده توضيحا للخطة، أو يرسل إليه بأحد الزعماء من بني عمومته بهاذ الطلب، فإنه لن يبخل عليه ولو بملء الأرض ذهبا كما هي عادة الأجواد من نخب العرب وعلى رأسهم قبيلة أولاد سيدي الشيخ الضاربة الأعماق في الشرف والمواقف...

فما إن تأكد الحاكم من القضية حتى أرسل على عجل إلى حاكم العريشة ببرقية يأمره فيها بضرورة الإسراع في التحرك من أجل تنفيذ المخطط الذي بعث له به في الموضوع. وما كان من هذا الحاكم إلا أن بعث على جناح السرعة لأحد القضاة المشهورين بالمنطقة، وكان شري النسب، ينتمي إلى ق بيلة أولاد نهار. وقد تم اختياره لهذا القاضي بالذات، لما علمه من ارتباط نسبي وثيق بين قبيلة أولاد نهار وقبيلة أولاد سيدي الشيخ، حيث إن هذه القبيلة الأخيرة تعتبر أخوال قبيلة الشرفاء أولاد سيدي يحي بن صفية، نسبة إلى جدتهم العليا لالة صفية بنت سيدي محمد بن سليمان أخت سيدي الشيخ...

وما إن التحق القاضي بمكتب المسؤول وأطلعه على الخبر، حتى دله على حيلة أخرى لتكون المهمة أمامه أهون، أشار عليه أن يدعمه برفقة القائد البوشيخي سيدي سلميان بن قدور الذي كان آنذاك يستقر على مشارف العريشة. ولما رأى المسؤول وجاهة الفكرة، أرسل إلى السيد سليمان المذكور على عجل، وطلب منه الخدمة. وكان هذا القائد عالي الهمة، شديد البأس، صاحب نخوة لا تدانى، ومزاح قلما يتحكم فيه.

وكانت فرنسا تتخوف من تقلبات مزاجه، وتتحاشى كل ما من شأنه إثارة غضبه حتى لا يتسبب لها في ما لا يحمد عقباه. ويبدو أن الحاكم وعده بمكافأة تتناسب مع مكانته ومع جسامة وخطورة المهمة، فقبل الرجل. غير أنه رغم علمه بما لديه من مكانة عند الشيخ بوعمامة، وعلمه بما للشيخ بوعمامة من نخوة الكرماء، لا يرد طلبا لذوي الجاه الرفيع، إلا أنه أبى إلا أن يكون معززا برسالة مكتوبة من طرف الحاكم، حتى يستيقن الشيخ بحقيقة الأمر وجديته ومنبع صدوره. فكتب له الرسالة المختصرة التالية التي أضعها بين أيديكم كما وقفت عليها:

الحمد لله وحده، إلى الشيخ بوعمامة، وعليكم السلام وبعد، أريد من سيادتك أن توجه لنا الأسرى الذين هم عندك، دمت بخير والسلام...

انتقل السيد سليمان بن قدور برفقة القاضي الشريف إلى مخيم الشيخ بوعمامة أين كان يقيم. وما إن بلغوه حتى استقبلهم بحفاوة وحرارة لا توصف. وأفرط في إكرامهم وتقديرهم، بالنظر لمكانة الرجلين عنده، كيف لا وهذا ابن عمه والآخر من بني عماته، ويعلم ما للرجلين من مقام وجاه... قدم السيد سليمان الرسالة للشيخ، ولما قرأها أجاب قائلا:

مرحبا بكل ما جاء من عند بني عمومتي، فلو أنكم أتيتموني على ابن الطيب لسلمتهم لكم، فمكانتكم عندي أغلى وأعلى مما تتصورون. ولعل من فكر في إسناد الخدمة إليكم يكون على علم بما لكم عندي من مكانة متميزة وتقد ير فائق. هذه الليلة أنتم ضيوف عندي، وفي الصباح إن شاء الله، سأسلم لكم جميع ما بيدي من أسرى. وكم وددت لو أنكم قدمتم عندي غير محملين بمهمة حتى تطول ضيافتكم كي أستفيد منكما وأنتما أهل الفضل والعلم والتجربة والمكانة...

وأصبح الصباح، وبعد تناول الفطور، أذن الش يخ للحراس أن يسلموا جميع الأسرى للرجلين. ولما خرج لوداعهما، عانقهما بحرارة، عناق الأخوة الصادقة، ولم يزد على أن طلب منهما الدعاء بظهر الغيب وودعهما في حفظ الله ورعايته.

وتنازل الشيخ للرجلين ببطاقة ضغط سياسية وعسكرية هامة جدا قد لا تعوض، بدون مساومة، ولا مفاوضة، ولا مبادلة، ولا حتى أدنى إشارة تشعر ضيفيه أنهما قد أضاعا منه فرصة لا تعوض للتفوق على العدو وهو في قمة الصراع معه...

أما باقي موضوع الأسرى، كيف كان فرخ فرنسا بذلك، وكيف تعددت الولائم للرجلين هنا وهناك، وكم كانت قيمة الهدايا والوعود، كل ذلك لا يهمنا التطرق له، فمن كان يريد أن يعرفه فليبحث نه في مضانه...

ما يهمنا هنا التطرق لهذا التصرف العجيب الذي صدر من الشيخ، وكيف تعامل مع الحدث، وما هي السلبيات والإيجابيات التي ترتبت على هذا التصرف، وهل أعطت فرنسا اللئيمة لهذا التصرف حقه...

ذلك ما سنتطرق له إن شاء الله في الحصة القادمة فتابعونا مشكورين ومأجورين إن شاء الله...

أخوكم أحمد

19-06-2021

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004