( الحلقة الخامسة والعشرون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

( الحلقة الخامسة والعشرون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم عل سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين...

موضوع الأسرى وقمة الإنسانية

تحياتي لكم جميعا أحبابنا الكرام، من قراء ومتابعين ومهتمين ومحبين لسلسلة حصص التعريف بالشيخ بوعمامة رحمه الله، أحييكم بتحية الإسلام المباركة الطيبة وبعد... أضع بين أيديكم الحصة رقم 25 من السلسلة المباركة، والتي بدانا في تحريرها منذ مطلع هذا الشهر الكريم...

نواصل حصصنا المباركة بالحصة رقم 25 إن شاء الله. هذه الحصة سنجعلها متميزة استثناء، نظرا لخصوصية الموضوع الذي تتناوله. إنها حصة تتعلق بموضوع الأسرى من الفرنسيين والإسبان الذين تم إلقاء القبض عليهم، سواء في معركة تازينة التي رأينا نتائجها، أو ألقي عليهم القبض أثناء المسيرة المظفرة التي قام بها الشيخ كما رأينا في الحصة الماضية. وللقارئ الكريم أن يتأمل، 300 أسير، هذا العدد الهائل كيف تم القبض عليه. لذلك سأحاول أن أتناول هذا الموضوع الشائك في نقاط استفسارية كما يلي:

ـ إذا كان عدد الأسرى فقط يساوي 300، فكم كان عدد الموتى منهم، وكم كان عدد الجيش نفسه...
ـ إذا كان هذا عدد الأسرى، فكيف يمكن تصور مدى النصر الذي خلف كل هذا العدد...
ـ كيف يتصور أن الجيش الفرنسي على قوته وجبروته وعدته يترك خلفه كل هذا العدد من الأسرى.
ـ أليس هذا دليل على أن الظالم المعتدي يكون أجوف وأخوف مما نتصور، أين ثباته في المواجهة...
ـ وإذا وقع هذا أمام حفنة من المجاهدين، فكم سيكون العدد لو كانت فرنسا في مواجهة دولة كبيرة..

ـ وفي المقابل،

أليست أسلحة الإيمان، وسلاح: وترجون من الله ما لا يرجون أقوى الحوافز على تحقيق النصر.
ـ ثم أليست مسألة وجود القضية العادلة أيضا من الأمور التي تؤدي إلى التضحية بالغالي والنفيس...
ـ ثم أليس لأسلوب التربية والسند الروحي الذي يعتمده الشيخ الدور الفعال في تحقيق النصر...

ـ غير أن الجانب الأهم للغاية:

والذي يغفله جل من يتناولون الحديث عن الثورات، وعن ثورة الشيخ بوعمامة بالذات، أننا لسنا بصدد مقارنة دولة بدولة، وإنما نحن بصدد مقارنة دولة بشخص أو اشخاص عزل محدودين...

فمن جهة:

نجد أن فرنسا كانت ولا زالت من الدول العظمى، وقد استطاعت أن تحصل على أهم القطع من كعكة الرجل المريض. وقد حشدت لتحقيق ذلك جيوشا جرارة بلغت في حدها الأقصى مائة وستة ألاف: 106000 جندي، جيوش مدربة مسلحة منظمة مؤطرة بأعلى وأحدث ما يمكن...
دولة بهذا الحجم، لا يليق مقارنتها آنذاك إلا بألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وأمريكا ومن في مستواهم..

ـ وفي المقابل:

نجد هذا الرجل، الذي دخل الميدان أعزل، قادما متخفيا من بلد آخر، ليس بحوزته لا سلاح ولا زاد ولا متاع. وكان لا يزال حديث العمر لم يمتلك التجربة الكافية لمثل هكذا مهام جسام. وكان قد بدأ من الصفر كما يقال، حيث استطاع بمجهوده الخاص أن يكون جماعة محدودة العدد، كنواة أولى لتحقيق ما يحلم به. وكان يقوم بعمله في تقية تامة وتخفي كامل عن الأعين الماكرة التي تترصده ما استطاع. وكان قد تعرض في بداية أمره لبعض محاولات الاعتقال...

ومع ذلك نجده قد فعل في المستعمر ما فعل، فاين وجه المقارنة يا سادة...
ـ ومع ذلك، نجد ما يتقول في حقه بغير منطق، لماذا لم يفعل كذا وكذا..

لكم أن تتصوروا هذه الفوارق الشاسعة بين الطرفين. لا وجه للمقارنة أطلاقا...
فلولا عهد الله: ـ وإن جندنا لهم الغالبون،

ـ وعهده: إن الله يدافع عن الذين ءامنوا..

ما استطاع هذا الرجل أن يحقق أي نصر بالتأكيد مهما كان ضئيلا بمنطق الواقع..
عليكم أيها الأحباب أن تكونوا منصفين وتأخذوا بعين الاعتبار هذه المقارنة والفوارق الشاسعة، حتى لا تغمطوا الرجل حقه، وتنعتونه بما لا يليق وبما ليس له أهل، وتطالبونه بالمستحيل..

نعود للموضوع لنقول...

كانت معاملة الشيخ للأسرى في قمة الإنسانية، الأكيد أنه لم يتعرض أي واحد منهم للتعذيب، ولا لسوء المعاملة، ولا للتضييق أو الإهانة والاستفزاز. فقد كان الشيخ رحمه الله يشرف على الأمر بنفسه. إذ يروى أنه كان يجالس الأسرى ويتبادل معهم الحديث ويتشارك معهم مائدته بكل احترام وأدب ليشعرهم بالاطمئنان. ولم يذكر أي واحد من الأسرى ولو لقطة واحدة تشير إلى سوء المعاملة حينما أطلق سراجهم كما سنرى، في الوقت الذي كان لهم أن يقولوا ذلك ولا كذبا..

لقد ضرب الشيخ بذلك مثالا رائعا في الإنسانية، في حقوق الإنسان عموما، وفي حقوق الأسرى على وجه أخص، إذ سبق بذلك جميع المواثيق الدولية التي يتغنى بها الحقوقيون اليوم، والتي تعتبر في الواقع المعيش مجرد حبر على ورق...

ـ ومن المشاهد الجميلة جدا في موضوع الأسرى، أن أحد جنود الشيخ رأى امرأة جميلة ضمن الأسرى، ففاتحها في موضوع الزواج على أن يعمل على تحريرها، فلم يكن منها إلا أن وافقت...

ولما بلغ الخبر إلى الشيخ، غضب غضبة شديدة، وزجر الرجل بقوة، وأمر منذ اللحظة أن لا يطلع رجل على الأسيرات، وأن لا تتم حراسة جانب النساء إلا عند بعد. وأن جميع الخدمات التي تقدم لهن ستسند إلى النساء حسما في الموضوع...

ولما تمت مفاتحته في الموضوع أجاب:

أعرف أن ذلك جائز شرعا، ولكن ليس في هذه الظروف بالذات، فالمرأة مغلوبة على أمرها لم يتوفر فيها شرط الرضا. كما أنها غير مؤتمنة الجانب، لأننا في حالة الحرب، فقد تصير عونا أو عينا علينا لفائدة بني جلدتها حينما تطلع على خبايانا وأسرارنا، فالحذر الحذر...

ولكم أن تتصوروا بعد نظر هذا الشيخ الجليل...

كانت هذه بعض الجوانب من موضوع الأسرى، وسنرى في حصة قادمة إن شاء الله، كيف تم إخلاء سبيل هذا الكم الهائل من المساجين، وكيف اضطرت فرنسا رغم كبريائها أن تهبط أرضا وتلجأ للحيلة كي تخلص فلذات أكبادها، وكيف كان للشيخ موقف جد رائع، فتابعونا مشكورين مأجورين..

أخوكم أحمد

17-06-2021

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004