( الحلقة الرابعة والعشرون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

الحلقة الرابعة والعشرون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم عل سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين...

المسيرة الكبرى نحو الشمال

تحياتي لكم جميعا أحبابنا الكرام، من قراء ومتابعين ومهتمين ومحبين لسلسلة حصص التعريف بالشيخ بوعمامة رحمه الله، أحييكم بتحية الإسلام المباركة الطيبة وبعد...

أضع بين أيديكم الحصة رقم 24 من السلسلة المباركة، والتي بدانا في تحريرها منذ مطلع هذا الشهر الكريم...

رأينا في الحصة الماضية بعض النتائج الإيجابية العظيمة التي ترتبت على معركة تازينة أو الشلالة. ورأينا كيف استطاع الشيخ دراستها دراسة سياسية دقيقة للغاية، حينما رأى أن يستغلها للقيام بالمسيرة نحو الشمال. وذلك أنه ما إن عاد للأبيض سيدي الشيخ مركز الإلهام، حتى بدأ ينظم صفوفه من جديد ليواصل العمل، استغلالا للنصر المبين واستغلالا للنفسية المنهارة للجيش الفرنسي.

قرر الشيخ أن يتحرك نحو الشمال وفق مخطط محدد ومدروس بعناية، يمر فيه عبر العديد من القبائل التي كانت مقهورة ومغلوبة على أمرها. فكان من ضمن تلك القبائل من تستحق التأديب، ومنها من يتطلب التحفيز، ومنها من يتطلب تجديد الروح المعنوية. كما كان من برنامجه أن يؤدب عددا من أغوات وقواد القبائل الذين عينتهم فرنسا، والذين كانوا يمارسون الظلم والاستبداد على القبائل ليخضعوها قهرا إلى سيادة فرنسا.

وإلى جانب هؤلاء وأولئك، كانت هناك بعض الشركات الأجنبية التي كانت تنهب خيرات البلاد بتفويض من المستعمر، كان لا بد أن يجعل لها حدا حتى ينتهي المستعمر من استغلال ثورات وخيرات البلاد بمحض إرادته، وكأنها ملك خاص له...

وانطلقت المسيرة المظفرة من ضريح سيدي الشيخ، (سيدي عبد القادر بن محمد)، وعلت الهتافات والتهاليل، وانطلق الموكب الرهيب في بهجة وثبات وحماس منقط النظير. وبدأ الموكب يجوب المنطقة تلو الأخرى، ويمر على القبيلة تلو الأخرى. وكانت كل قبيلة يمر بها إلا وتستعيد الروح المعنوية من جديد. فكان منها من التزمت بالالتحاق بالمجاهدين، وكان منها من التزم بالتنحي عن الخضوع لفرنسا، وكان وكان...

وتحكي النصوص، أن الجيوش الفرنسية التي كانت مرابطة بالمنطقة، كلما سمعت باقتراب موكب الشيخ إلا وانصرفت مبتعدة عن طريقه خوفا أن يلتهمها. بل هناك نصوص تحكي أنها كانت تمنع إشعال النيران حتى لا تنبته إليها عيون الشيخ...

دامت تلك المسيرة المظفرة لمدة 23 يوما كاملا، تيمنا بفترة الوحي، لم يتلق فيها الشيخ أي اعتراض أو مقاومة في طريقه، بعدما قطع أكثر من سبعمائة كيلومتر،(730) إلى حدود سعيدة ومعسكر ثم العودة عبر الطريق على مشارف الخيثر...

ويروى أنه أثناء العودة قسم الشيخ جيشه نصفين، نصف قاده بنفسه، ونصف وجهه في طريق آخر نحو قرية خلف الله كي يجعل حدا للشركات الأجنبية التي كانت تستغل نبتة الحلفة، أين وقعت ملحمة يوم 11 يونيو قتل فيها العديد من الحرس والعمال بعدما حاولوا المقاومة...

ويعود الشيخ سالما مظفرا غانما للعديد من الغنائم المنوعة، تاركا الرعب وراءه في قلوب الأعداء، سواء من كان يعلمه منهم، أم من لم يكن على علم به...

هذه الحصة الجد مختصرة، رأيت أن لا أترك اليوم الأول من العشرية الثالثة يمر دون مقالة، على أن أضرب لكم موعدا بعد يومين إن شاء الله، لطارئ خير سأتغيب معه ليومين...

وفي الحلقة القادمة وما يليها، سنتحدث عن مصير الأسرى الذين تم جمعهم في قبضة الشيخ، سواء بمعركة الشلالة السالفة الذكر، أو في هذه المسيرة، حيث اجتمع عنده حوالي 300 أسير...

كيف كان الشيخ يعاملهم، وكان كان مصيرهم، وكيف كان الشيخ سباقا لجميع المواثيق التي تتحدث عن حقوق الإنسان عموما وعن حقوق السرى على الخصوص، تلك التي تتبجح بها الدول...

بل وستجدون في إحدى الحلقات القادمة مفاجأة لم تكن في حسبان الشيخ، أثرت كثيرا على مسيرته الجهادية، وقعت له في المسيرة الثانية التي سنتحدث عنها...

فتابعونا مشكورين ومأجورين إن شاء الله تعالى..

أخوكم أحمد

16-06-2021

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004