وصلى الله وسلم عل سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
نتائج ومآلات معركة تازينة الكبرى
تحياتي لكم جميعا أحبابنا الكرام، من قراء ومتابعين ومهتمين ومحبين لسلسلة حصص التعريف بالشيخ بوعمامة رحمه الله، أحييكم بتحية الإسلام المباركة الطيبة وبعد...
أضع بين أيديكم الحصة رقم 23 من السلسلة المباركة، والتي بدانا في تحريرها منذ مطلع هذا الشهر الكريم...
نواصل الحديث عن سيرة الشيخ بوعمامة، الرجل الرباني المجاهد الذي خانته بعض أقلام التاريخ الغير منصفة، عندما حاولت أن تشوه صورته الربانية اللامعة. وفي هذه المقالات سأحاول فيها أن أعرض لجميع الأحباب، من قراء ومحبين ومهتمين ومعارضين أيضا حقيقة شخصيته وهويته، حتى يستيقن من أرد أن يستقن، ويرعوي من أراد أن يعود إلى الصواب، أما من أراد أن يستمر في غيه فله ذلك زحكمه إلى الله، إذ ما علينا إلا البلاغ...
رأينا في الحصة الماضية مجريات معركة تازينة، التي كانت شبيهة بمعكرة بدر الكبرى، وتعتبر بالتالي بدرا الصغرى بالنسبة لمسيرة الشيخ بوعمامة الجهادية كما سنرى. ورأينا ماذا آلت إليه من نصر مبين للشيخ بوعمامة ولجيشه الباسل على الجيوش الفرنسية الجرارة المتخاذلة. وعرفنا أن الجيش الرباني قد غنم منها غنائم كثيرا سواء في المؤن أو الأسلحة أو الركوب، ليكون له دعما حسيا ومعنويا في ما سيلي من خطوات. ورأينا كيف كانت جيوش العدو تجر أذيال الخيبة والهزيمة المرة التي لم تكن تتوقعها بالمرة...
هذه الوضعية الخاصة، وضعية التذمر والهلع التي كان يعيش الجيش الفرنسي، عمل الشيخ بوعمامة على استغلالها بشكل عجيب جدا، لم تكن في حسبان أي أحد بما فيها فرنسا بترسانتها الاستخباراتية الرهيبة. فما إن انتهت المعركة حتى أمر الشيخ بوعمامة جيوشه للتوجه إلى مدينة الأبيض سيدي الشيخ، شكرا لله وعرفانا على النصر المبين الذي تحقق، وجمعا لهمة المجاهدين المنتصرين لمزيد من توحيد الصفوف، وتبركا بضريح جده سيدي الشيخ، هذا الذي يعتبر منبع المدد الروحي والمعنوي، والرمز الأساسي لتوحيد جميع القبائل المتاخمة...
وبعد استراحة قصيرة، فكر الشيخ في أن يقوم بمسيرة بجيشه المنتصر، انطلاقا من الأبيض سيدي الشيخ إلى بعض مدن ومناطق الشمال. وكان لهذه المسيرة أهداف سامية نوجزها في ما يلي:
1ـ تحسيس الجيش الرباني بنشوة النصر وهو يتمختر بين القبائل المتخاذلة وأمام أنظار العدو...
2ـ زرع الروح المعنوية في القبائل ما بين الأبيض وسعيدة ومعسكر التي كانت مغلوبة على أمرها،.
3ـ تحسيس الإنسان الجزائري المسلم بضرورة الدفاع عن عزته وكرامته الأغلى من كل شيء...
4ـ ردع وترهيب القبائل التي انساقت كلية مع العدو الفرنسي حتى تعود إلى رشدها...
5ـ ردع القواد الذين نصبتهم فرنسا للتحكم في أتباعها من القبائل كأغا الأحرار وأغا فرندة
6ـ زرع الرعب الشديد في قلوب الجيوش الفرنسية حتى لا تستهين بالثورة كما كانت تفعل من قبل.
7ـ استغلال الوضعية لنشر القضية على أوسع نطاق، كي تتناولها أكثر وسائل الإعلام...
8ـ اغتنام الفرصة لرفع القضية أمام المنابر العليا لتدويل موضوع استعمار فرنسا للجزائر...
9ـ جعل حد للاستغلال البشع والغير شرعي من قبل بعض الشركات الأجنبية بأرض الوطن...
ـ كما كانت فيها بعض الرسائل نوجزها كما يلي:
10ـ رسالة إلى القبائل المترددة لكي تلتحق بصفوف المجاهدين...
11ـ رسالة واضحة إلى فرنسا، تفيد أن قبيلة أولاد سيدي الشيخ وأتباعها البررة، لا يمكن إسكاتها قطعا. فكلما مات قائد من قوادها أو ضعف لسبب أو آخر، إلا وهناك قواد آخرون ينتظرون الفرصة لحمل راية الجهاد والبرهنة على قدراتهم وكفاءاتهم في مضامير المعركة...
12ـ ورسالة أوضح وأنبل لبني العمومة من الشراقة والغرابة معا، موضحة ومطمئنة في نفس الوقت، يبرهن لهم فيها أخوهم بوعمامة بن العربي، إنما جاء لنصرتهم ومؤازرتهم، وأنه سيكون معهم يدا واحدة وقلبا واحدا ضد غطرسة العدو المستعمر...
أما من الجانب الآخر، فإن الجيش الفرنسي لم يستصغ الهزيمة قط، بحيث أصيب في صميم كبريائه، سواء على مستوى الجنود ومسؤوليهم الذين كانوا في واجهة المعركة، أو على مستوى القيادة العامة بالجزائر العاصمة، أو على مستوى البرلمان الفرنسي وقصر الإيليزي بالخصوص لأن مصير الجزائر كان بالنسبة لهم أولوية الأولويات. وقد نتج عن تلك الهزيمة نتائج وخيمة، أدت إلى تأديب البعض من الضباد، والخصم من رتب البعض منهم، وتسريح البعض الآخر من الخدمة نهائيا. وكان أن صدرت قرارات خطيرة وعشوائية من القيادة العليا لإعادة النظر في تركيبة فيالق الناحية وتحديد مهامهم الجديدة، حتى يتعاملوا مع الوضع الجديد بما يقتضيه الأمر.
غير أن ذلك بطبيعة الحال، لن يأتي أكله في القريب العاجل، كما كان الشيخ على يقين بذلك. وقد كان في قمة الذكاء والحنكة السياسية بالبديهة، حينما قرر القيام بالرحلتين اللتان سنفصل في مجرياتهما في الحصة القادمة، إلى جانب الأثار المترتبة عليهما على عدة مستويات، فتابعونا مشكورين ومأجورين إن شاء الله..
أخوكم أحمد
15-06-2021