( الحلقة الحادية والعشرون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

الحلقة الحادية والعشرون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين

تحياتي العطرة لأحبابنا الكرام جميعا من قراء ومهتمين ومتابعين بسلسلة التعريف بالشيخ بوعمامة، التي بدأناها في مطلع هذا الشهر الكريم لدواعي خاصة، أحييكم بتحية الإسلام المباركة الطيبة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نحن اليوم في: المقالة رقم 21

وقفنا في الحصة الماضية على ما كان يقوم به الشيخ بوعمامة من استعداد من قوة ومن رباط الخيل حسب المتاح. وعرفنا أن القوة الضاربة التي كان الشيخ بوعمامة يعتمد عليها في عالم الأسباب، بعد العناية الربانية، كان التركيز على شحد العزائم، ورفع الهمم، وإذكاء النخوة، وحسن التدبير، وفرض الانضباط، والتذكير بفضل الجهاد في سبيل الله...

كما تطرقنا أيضا للعوامل المحفزة التي كانت تلعب لصالح الشيخ، وكيف استطاع الشيخ بذكائه وفطنته توظيفها التوظيف الحسن، وكيف كان يلعب كثيرا علي الجانب المعنوي لتعويض الفوارق بينه وبين العدو في ما يتعلق بالعدة والعدد...

الآن سنتطرق للعوامل المثبطة التي كان تعاكس مصالح جيش العدو....

ـ فالجندي الفرنسي أولا كما سبق ذكره، لم تكن له قضية يضحي عليها بنفسه، ولو ترك لحاله لما وجد واحد منهم في الميدان. فحضورهم إذا كان بمنطق القوة وبمنطق الجندية التي تقول على مبدأ: متى يحق لك أن تناقش أمرا جاءك من الأعلى، الجواب، بعدما تقوم بتنفيذه

quant est ce qu’on a droit à réclamer un ordre … Après l’avoir exécuté…

هذا شعار الجندية، لا يحق لأحد أن يناقش الأوامر إلا من بعد أن ينفذها. ومنى هذا أن جميع الجنود إنما جاءوا مرغمين، وإلا فمن يتنازل عن النعيم في شوارع باريس ويأتي ليقاتل في الفيافي، ويسير فيها وكأنه أعمى لا يعرف لها شرقا من غرب، واي مصلحة له في ذلك...

ـ ومن جهة أخرى كان للميز العنصري الذي كان يمارس على العرب المجندين أثر خطير على نفسية الجنود العرب بالخصوص، مما يعني أنهم مهيؤون سلفا لإعلان الهزيمة، وهذا ما لم تكن فرنسا تفكر فيه، أو تغافلت عنه حماية لبني جلدتها كما سبق.

ـ ومن جهة ثالثة، كان هناك إكراه على قواد القبائل الذين أرغموا على تقديم أبنائهم للواجهة. فهؤلاء القواد، لم تكن ضمائرهم ميتة بالمرة، إذا أحينا ما كانوا يلومون أنفسهم على الخيانة التي كانوا يقومون بها ضد مقدساتهم. وتشهد المكتوبات الفرنسية الرسمية، أن بعض القواد كانوا يعملون في خفاء لصالح الشيخ بوعمامة، وذلك إما بإمداده ببعض المعلومات، وإما بغض الطرف عن بعض تحركاته. ويقال إن البعض منهم قد تعرض للمعاقبة حينما اندلعت ثورة الشيخ بدعوى أنه كان مقصرا في الإبلاغ...

ـ ومنها أيضا، أن الجيش الفرنسي كان مرفوقا بالعديد من الجمال المحملة بالزاد والمؤن والأسلحة، وكان لحضور هذه الجمال تأثيرات سلبية في المعركة، إذا سرعان ما بدأت تستنفر وتشرد بسبب طلقات البارود لتحدث الفتنة في الجيش...

ـ ومنها أن التموقع في مكان المعركة كان في صالح الشيخ بوعمامة وجيشه، لأنهم كانوا أدرى بطبيعة المكان من جهة، وأسبق إليه من العدو من جهة ثانية...

ـ ومنها عامل العطش أيضا كان حاسما، إذ ما إن انطلقت المعركة حتى نشفت حناجر الفرد الفرنسي لشدة الهول والخوف من الموت، بينما طارت الإبل بمخزون الماء...

ـ ومنها الغرور الذي كان يغلب على المسؤولين الفرنسين، ومنهم الحاكم العام كما سبق الحديث، بعدما سبق لهم أن جعلوا نهاية للثورات السابقة التي كانت في أعينهم أعظم، فاعتقدوا أن هذه الثورة ما هي إلا شعلة لحظية ما تلبث أن تخمد بنفسها عندما تشعر ببأس الجيش الفرنسي...

ـ ومنها طبيعة الميدان الصحراوي العاري الذي لا يسمح لهم بالتخفي، لأن مواجهاتهم السابقة كانت جلها في أماكن تساعد الجنود على التستر وتطبيق التعليمات الحربية التي لقنوها لجنودهم...

ـ ولا شك أن تخلف الجنرال قائد الفيالق بمدينة البيض بسبب المرض، كان له وقع على الجيش من جانب آخر، لأن انضباط المسؤولين العسكريين للأوامر لم يعد بنفس القوة مع العقيد بالرتبة الأقل...

ـ كما أن اطلاعهم المسبق ببسالة الإنسان العربي، والجزائري بالخصوص، هذا الذي كانت له قضية وأي قضية، وحبه في التضحية والاستشهاد، جعل الجندي الفرنسي ينظر للمعركة بعين اليأس، ويتوقع منها أسوأ التوقعات، ويرجح أن يكون مصيره بين الموت أو الأسر، أما نسبة النصر فيراها ضئيلة جدا...

ـ والأكيد أخيرا، أن رفع الهيللة، الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله)، بأصوات عالية، من حناجر تعد بالآلاف من المجاهدين بنغمة واحدة، من شأنه أن يزلزل الأقدام، ويرعد الفرائس، ويرعب القلوب، ويعجل بالهزيمة، وذاك ما حصل بالفعل...

لم يعد أمامنا الآن بعد التحليل المطول، ألا الحديث عن مجريات المواجهة، بعدما أكثرنا من تحليل الوقائع، والذي نكتفي به دون أن نكرره في المعارك القديمة، وهي لعلمكم كثيرة تفوق العشرين، حتى يكون المتابع الكريم على دراية بدقائق الأمور، ولا يستكثر أن ينهزم جيش جرار أمام جيش لا يساوي ربعه في العدد، ولا يدانيه في العدة، كأمر عادي جدا إذا لعبت العوامل الخفية لصالح الجيش القليل إذا كان متمكنا روحيا، ومستعدا نفسيا، ومقبلا على ساحة الوغى بحرية واختيار، طالبا للنصر أو الشهادة، وليس في عقيدته الإدبار بأي حال من الأحوال...

تحياتي لكم جميعا أيها الأحباب, وإلى حصة قادمة إن شاء الله...

أخوكم أحمد حاكمي.

13-06-2021

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004