( الحلقة العشرون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

( الحلقة العشرون من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين

تحياتي العطرة لأحبابنا الكرام جميعا من قراء ومهتمين ومتابعين بسلسلة التعريف بالشيخ بوعمامة، التي بدأناها في مطلع هذا الشهر الكريم لدواعي خاصة، أحييكم بتحية الإسلام المباركة الطيبة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نحن اليوم في المقالة . رقم 20

وقفنا في الحصة الماضية على ما كان يقوم به الشيخ بوعمامة من استعداد من قوة ومن رباط الخيل حسب المتاح. وعرفنا أن القوة الضاربة التي كان الشيخ بوعمامة يعتمد عليها في عالم الأسباب، بعد العناية الربانية، كان التركيز على شحد العزائم، ورفع الهمم، وإذكاء النخوة، وحسن التدبير، وفرض الانضباط، والتذكير بفضل الجهاد في سبيل الله ومن أجل تحرير الوطن الإسلامي واسترجاع الكرامة.

وكان هذا العامل المعنوي مهما للغاية، وإلا فكيف لمجموعة قليلة متناثرة متناحرة من مختلف القبائل، مختلفة الألوان والأفكار والخلفيات، وغير متعودة على الاصطدام المباشرة في الملاحم، وغير مسلحة بما يكفي، أن تواجه جيوشا جرارة مدربة ومزودة بأعتى وأفتك الأسلحة المتوفرة آنذاك.

وفي المقابل:

بعدما وقع للضابط وأين براينير يوم 22 ابريل، أي قبل أيام فقط، قررت السلطات الفرنسية جعل حد لهذه الشرذمة التي صارت تعكر لهم الأجواء، وتخلق لهم مشاكل، وليس على رأسها إلا شاب حديث السن، قدم من بعيد، ليس لديه سابق خبرة ولا أنصار ولا استطاعة ولا تجربة في الميدان للمقاومة. بل وليس له سمعة في المنطقة ليستقطب بها القبائل..

ـ كان هذا الاستخفاف بالخصم أول العوامل التي لعبت لصالح الشيخ بوعمامة وجيشه..

ـ وكان العامل الثاني الذي لعب لصالح الشيخ، وهو من العوامل الغيبية أساسا، أن الجنرال الذي كان يقود الفيالق، أصابه في ما يبدو مرض بقدرة قادر وهو في طريقه لميدان المعركة، فاضطر أن يبقى في مدينة البيض للعلاج، واسند المهمة لخليفته العقيد إينوسانتي. وكان لهذا التخلف أثر معنوي على صفوف الجيش، تخلف يوحي في ما يوحي إليه، كما راج بين صفوف الجيش، أن الرجل حاول تجنب المواجهة بسبب الخوف، فاختلق أسباب التخلف...

ـ وكان العامل الثالث، أن الترتيب داخل الجيش الفرنسي أثناء المواجهة، كان يجعل فريق القوم والصبايحية في مقدمة المعركة، حتى إذا كان هناك قتلى فليكونوا من العرب، في حين يحتفظون بأبنائهم في الصفوف الخلفية حماية لهم من السوء المحتمل، ولا يدفعون بهم للمواجهة إلا بعد أن يظهر الخلل بينا في الصفوف الأمامية. وكان لهاذا التمييز تأثير كبير على المقاتلين العرب الذين كانوا يوضعون كرها في الصفوف الأمامية لجيش فرنسا، لأنهم يرون بأم أعينهم الكيد السافر، والميز الواضح، في تعامل فرنسا بينهم وبين بني جلدتها...

ـ أما العامل الرابع، وهو مهم للغاية، فهو عامل القضية، فالجيش الإسلامي كانت له قضية، بل قضايا عادلة يدافع عنها. يدافع عن دينه الذي يراه يداس، ويدافع عن أرضه التي يراها تستعمر، ويدافع عن كرامته التي يراها تهان، ويدافع عن خيرات بلاده التي يراها تنهم، وهو قبل وبعد كل شيء في أرضه ولم يعتد على أرض الغير.

أما في المقابل، فالمقاتل في الجيش الفرنسي كان يرى أن ما تقوم به فرنسا إنما هو الظلم بعينه، وليس هناك أي قضية عادلة حتى يدفع ثمنها بنفسه. وكان هذا التصور أخطر على المقاتلين العرب، الذين صاروا يرون أنفسهم ضحايا التغرير، يحتقرون أنفسهم، ويشعرون بالذل والعار، ويرون أنفسهم مجرمين في حق مقدساتهم وقضاياهم الكبرى، وكان لزاما أن تنهار معنوياتهم إلى الحضيض، وبالتالي يرون أنفسهم أنهم قد استبدلوا الذي هو أدنى وأذل وأخس بالذي هو خير وأعز وأعلى، وبالتالي لا قضية لهم في النهاية وإنما يزجون بأنفسهم في الهاوية...

ـ وكان هناك عامل إضافي، وهو الدراية الكاملة بالميدان والتعود عليه، الذي كان يلعب لصالح الشيخ وجنده الباسل، إضافة إلى عامل الطقس أيضا، مع العلم أن الشيخ هو الذي اختار المكان لأمور يعرفها...

ـ وقبل وبعد كل شيء، هناك العامل الأهم، وهو روح الاستشهاد. فالمقاتل في صفوف الشيخ كان يرى أن صفقته رابحة بجميع المقاييس مهما كانت النتيجة، فهو إما أن ينتصر وهذا ما يتمناه، وإما أن يستشهد في سبيل الله، وتلك غاية الغايات...

ـ فإذا ما أضفنا إلى ذلك عامل التنافس الذي خطط له الشيخ بين القبائل، والذي لا يخلو من أهمية، يكون الشيخ رحمه الله قد قام بجميع ما يستطيع من أجل ربح المعركة، استجابة لقوله تعالى:

وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم... إنه عامل الترهيب...

وفي ظل هذه الاعتبارات مجتمعة وساها، صار بديهيا أن تتحقق في الشيخ بوعمامة وجيشه المجاهد ظلال قول الله سبحانه وتعالى: ... إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين...

وتنطلق الملحمة الفاصلة في هذه الأجواء المشحونة، جند الله الذي لا يهاب الموت بل يطلبه، وجند العدو الذي ترتجف فرائسه قبل المواجهة... فماذا آلت إليه المواجهة....

تابعونا مشكورين مأجورين إن شاء الله في الحصة القادمة لمعرفة النتائج...

أخوكم أحمد حاكمي

12-06-2021

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004