تحياتي العطرة الصادقة لجميع المتتبعين لهذا المنبر، من محبين ومهتمين وباحثين عن الحقيقة عن هذا الرجل الذي ظلمه التاريخ، وظلمه بعض من بني جلدته بدون تبين، حينما بنوا أحكاما قاسية جزافا بدون دليل ولا منطق...
ولما كنا لا زلنا في المقدمات، وقبل أن أشرع صلب في الموضوع، رأيت من المفيد أن أشير إلى بعض النقاط الهامة، التي تحدد معالم ما نحن بصدده. وأستهل ذلك بهذه الكلمة العظيمة، على وجازتها، جاد بها الدكتور يحيى جلال عن حق، في الصفحة 690 من كتابه التاريخي الجميل تحت عنوان: ( تاريخ المغرب الكبير )
يقول فيها:
ولقد عجز التاريخ عن أن يوفي أولئك المجاهدين المغاربة الذي قاوموا السلطة الفرنسية حقهم حتى الآن..
وإننا لنشاطر دكتورنا الفاضل كامل الرأي، ليس في شأن الشيخ بوعمامة فحسب، وهو على رأس أولئك بلا شك، بل إنه واحد من أعظمهم باليقين، وإنما في شأن جميع الشهداء الأحرار الذين ضحوا بكل ما كان في وسعهم، بالغالي والنفيس، بالأموال والأنفس، من أجل تحرير أرض الإسلام من براثن الاستعمار والظلم والاستبداد والاستغلال والإهانة ودوس الكرامة، في جميع الأقطار الإسلامية، بل في العالم أجمع.
أتمنى أن تجد هذه الكلمة العظيمة من هذا الرجل الذي أحسبه مخلصا والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحدا، آذانا صاغية وقلوبا واعية لمراجعة الأفكار الفاسدة التي زرعها الاستعمار بمكر ودهاء في عقول وسرائر أبنائنا، وسقاها بلعاع من الدنيا قليل، حتى صار منهم من ينبهر بالاستعمار ويمجده في تلك الفترة، ويبتكر له الأعذار والمصوغات، على الرغم مما أذاق أجداده من ألوان الويل والدمار، دون أن يعير اهتماما للصلحاء منهم، الذين بذلوا كل ما وجدوا، وقاوموا بكل ما استطاعوا، وحتى إن لم يتوصلوا إلى ما كل كان ينبغي، فلا ننسى أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها إذا ما كان الأمر فوق الطاقة والتحمل، إذ ما على الإنسان إلا أن يبذل الجهد وعلى الله الكمال.
وبالمناسبة، لا يفوتني أن اقدم بكلمة وجيهة لأحد المجاهدين إبان حرب التحرير، فقرة أعجبتني كثيرا للأستاذ قدور الورطاسي، لها مغزى في هذا الباب، أوردها في كتابه معالم من تاريخ وجدة ص 49 جاء فيها:
(... وإن تلك المراجع وإن احتفظت لنا بالنصوص التاريخية، فإنها حرمتنا من التحليلات والتعمق في دراسة الطباع والأخلاق والعادات. فالحوادث لها منطلقات نفسانية عميقة، إلى دواع ظاهرة، ولا يمكن للمؤرخ أن يكون منصفا إذا لم يراع كل ذلك أثناء تدوينه للتاريخ. أقول هذا لمن يمكنه أن يكتب حول شرق المغرب في المستقبل، ليتثبت في الحكم على الحوادث على أساس الدراسة النفسانية، لا على مطلق النصوص التاريخية، فذلك من شأنه أن ينقص من قيمة الأحكام التاريخية، وهو مضر بنفسية الأجيال الصاعدة...)
كلمة في غاية الوضوح، لها جمال في المبنى وعمق في المعنى. وبناء على المعنى العميق لهذه العبارة التي يشكر عليها كثيرا، سنحرص على تقديم الحقيقة الكاملة للقارئ الكريم...
وحتى يتسنى لنا ذلك، لا بد من دراسة الظروف العامة والخاصة التي كانت تزخ تحتها المنطقة، بجميع مكوناتها، بما فيها المستدمر الفرنسي بأنيابه المكشرة، والمخزن المغربي بوضعيته الهشة، ومجموع القبائل التي كانت مضطهدة من هذا الطرف وذاك، إلى جانب الوضيعة الخاصة التي كان يعيشها الشيخ بوعمامة موضوع الحديث. حينها فقط سيستطيع القارئ المنصف أن يخرج بنظرة فاحصة، وبحكم أقرب ما يكون إلى الحقيقة، فترقبوا حلقاتنا القادمة..
تحياتي للجميع
أخوكم أحمد حاكمي...
( الحلقة الثانية من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين