وصلى الله سلم على سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحابته أجمعين
لحظة القرار الحاسم
تحياتي لكم جميعا أحبابنا الكرام، الذين يتابعون معنا هذه الصفحات المضيئة للتعريف بأحد رجالات الإصلاح والجهاد البارزين في العصر الحديث على المستوى المغاربي والقاري، أنه الشيخ بوعمامة.
رأينا في الحصة الماضية الظروف الاستثنائية التي كان يعيش هذا الرجل، بين الإقدام والإحجام، وكيف كانت تتجاذبه التيارات، وتجعله في حيرة من أمره في تردد بين أن يتقدم أو يتأخر. ورأينا أنه دام على ذلك الحال لمدة ست سنوات كاملة، كان خلالها يستعد لأسوأ الاحتمالات، كان يربي الرجال، ويكون الجيش، ويرتب الأمور، ويراجع الحسابات، ويطلع على دقيق أخبار العدو، ويدرس المآلات والنتائج المتوقعة، ويجس نبض القبائل، ويتقصى صدق أحوالها، ويقدر الطاقات التي يمكن أن يقدمها له، ويولي كل كبيرة وصغيرة ما تستحق من الاهتمام...
ـ بعبارة أدق، كان يعيش في ظلال قوله تعالى:
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم... لم يكن الرجل يعيش على الأوهام باليقين، ولم يكن يعتد على العناية الإلهية وبركة الأسلاف فقط، وإن كان لها أوفر النصيب، ولكنه كان يعتمد على الأخذ بالأسباب، وهو الذي كان يقرأ في قصة مريم، أن الله كان يأتي مريم رزقها رغدا في المحراب بغير حساب ولا أسباب،
ولكنها عندما وجدت نفسها في أصعب المواقف على الإطلاق، أمرها أن تأخذ بالأسباب: وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا... فهل كان من الصعب على الله أن يسقط عليها الرطب، وهل كانت هي في تلك اللحظة في ظروف جسدية ونفسية قادرة للأخذ بالأسباب، ومع ذلك فهي سن الله الجارية، لا بد من الأخذ بالأسباب... وهذا بالذات ما ظل الشيخ يركز عليه، كسنة نبوية عملية جارية طيلة حياته صلى الله عليه وسلم في جميع غزواته...
وفي نفس الوقت كان يتردد على زيارة أضرحة أسلافه الميامين، وخصوصا ضريح جده سيدي سليمان بن أبي سماحة من أين كانت انطلاقته وأتته النفحات، وضريح جده سيدي براهيم إلى أين صار مستقره، وضريح جده سيدي الشيخ على وجه أخص، منبع إلهامه ومصدر قوته المعنوية ومرجعية مسيرته ومساره المستقبلي...
ومن جهة أخرى، كان أحيانا يتبادل بعض الزيارات مع الزعماء من بني عمومته، سواء من الفصيل الشرقي أو الغربي، وكان يتودد إليهم بصدق، ويبدي لهم من المحبة والتقدير ما يستحقون، لكي يكسب ودهم، ويتحاشى سلبيات ما يمكن أن يتم حبكه بينهم من قبل الأعداء، ويبرهن لهم عن حسن نيته في ما هو مقبل عليه دون خلفيات أو سوء نية، على جانب الاستفادة من بعض تجاربهم..
وإلى جانب ذلك، كان يرسل بعض موفديه من مقربيه، من فقراء ومقدمين إلى القبائل ليوثق معهم العهود، ويرتب معهم الأمور، ويضبط معهم موعد الانطلاق. ولم يكن غائبا عنه في نفس الوقت، أهمية كثرة التهجد، وكثرة الدعاء، ودوام الاستخارة والاستشارة، كعبادة كان يعتاد عليها، ويركز عليها أكثر في المدلهمات. كان يقوم بهذا بنفسه، وفي نفس الوقت كان يعين لجانا من محيطه الخاص ترابط على الذكر والدعاء والاستخارة...
ولما كثرة الحركة حوله، وتوسعت دائرة رسله، لم تنم أعين السفهاء التي كانت تؤكد للأسياد أن بركانا على وشك الانفجار من زاوية هذا الرجل الغريب، بركان يزداد غليانه ويكثر هديره يوما بعد يوم. فما كان من المسؤولين إلا أن أخذ الأمور بجد، وأعطوا الأوامر لترصد حركات مقربيه. فكان أن وردت أنباء مؤكدة تشير إلى أن بوعمامة أرسل شخصين من مقدميه، الطيب ومرزاق إلى جهة ما. وأعطى مسؤولو المكتب العربي كما كانت يسمى أوامره بترصد خطوات الرسولين، وتتبع آثارهم إلى حين يتم عليهم القبض وليكن ما يكون بعد ذلك....
فماذا وقع بعد ذلك، فهل ألقوا عليهم القبض، وإذا كان الأمر كذلك، فماذا كانت ردود الشيخ، وما هي الخطوات الموالية، وكيف ستكون النتائج...
هذا ما سنتعرف عليه في الحلقات المقبلة، فتابعونا مشكورين ومأجورين إن شاء الله،
أخوكم أحمد حاكمي
08 - 06 - 2021