وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين..
وحتى تتضح الصورة
تحياتي لكم جميعا قراءنا الفضلاء بدميع أطيافه، أحييكم بتحية الإسلام المباركة الطيبة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
نواصل حصصنا المباركة التي تتعلق بموضوع الشيخ بوعمامة...
وصلنا في الحصة الماضية الحديث عن ملخص مسيرة الشيخ بوعمامة إلى غاية وفاته...
وهذه الحصة هي أيضا إستثنائية تكميلية لسابقتها حتى تكتمل الصورة، ليكون القارئ الكريم على بينة مما نتحدث به عن هذا الشيخ الجليل. وهذه الحصة نورد فيها ملخصا للكتابات التي تناول موضوع هذا الرجل، بجميع أطيافها غي حدود ما نعلم، دون أن نطلع على ما كتب عليه باللغات الأجنبية كالألمانية والإنجليزية والبرتغالية وسواها، خصوصا في وسائل الإعلام التي كانت تتابع الأحداث آنذاك...
ومجموع من تناول الحديث عن الشيخ لا يخرج عن التقسيم التالي:
أولا: المؤيدون...
هذه الطائفة تنقسم بدورها إلى قسمين:
1ـ مجموع الكتاب الجزائريين بدون استثناء،
هؤلاء كلهم يجمعون عن قناعة على عظمة الرجل، وعظمة ثورته، ويثنون عليه بجميع أنواع المحاميد. والسبب واضح، لأن الرجل إنما قام بكل ما قام به، من تضحيات بالغالي والنفيس، بالمال والنفس، كل ذلك من أجل نصرة القضية الجزائرية ولتحرير أرض الجزائر المغتصبة..
وهؤلاء كثر، منهم الذين عاصروه، ومنهم من يوجد في الوقت الحالي. وللتذكير فإن الجزائر غالبا ما تقيم أسابيع ثقافية إحياء لذكرى الشيخ بوعمامة، أين تعرض دراسات متنوعة حول هذه الشخصية الجهادية المتميزة، سواء باللغة العربية وهي الأكثر، أو باللغة الفرنسية أحيانا. نذكر من هؤلاء على سبيل المثال الأستاذ عبد الحميد زوزو، والدكتور عبد القادر خليفي...
2ـ طائفة الأتباع والمحبين:
هذه الطائفة، رغم أنها أقل عددا من سابقتها، إلا أن مساهماتها تتسم ببعض الخصوصية، لأنها تتحدث بلسان المحبة وليس بلسان الاقتناع فقط، وتتحدث من داخل البيت، بمعنى أنها أدرى بما في الكواليس. وتتوزع هذه الطائفة على المغرب العربي بالخصوص، وعلى الجزائر والمغرب بوجه أخص، وهؤلاء هم أتباع الشيخ، من أبناء صلبه وأبناء قلبه، ومريديه، نذكر من هؤلاء بعض حفدته الذين غالبا ما يتناولون موضوع هذه الشخصية خصوصا في أبحاثهم الجامعية، ومنهم الأستاذ عبد الله طواهرية الذي أبلى البلاء الحسن، ولعل منهم هذا العبد الضعيف...
ثانيا: الخصوم
هذه الطائفة تنقسم بدورها إلى عدة أقسام نذكر منها:
3ـ العدو الاستعماري
وكتابات هؤلاء كثيرة جدا ومتنوعة بحسب الظروف التي كتبت فيه، والأهداف التي كتبت من أجلها، وطبيعة ومستوى كل كاتب منهم..
وهؤلاء أيضا ينقسمون إلى طوائف، منهم من كان يكتب وهو يتابع ما يجري في الميدان كبعض الضباط المرافقين للجيش. ومنهم من كان يكتب كدراسات ميدانية لمعرفة عمق التركيبة الاجتماعية بغية التمكين من الرجل. ومنهم من كان يكتب من منبر التكليف كما كان شأن الضابطين بيرنارد ولاكروا، في كتابهم القيم جدا في الموضوع، والذي اعتمدت عليه كثيرا في كتاباتي، وهو كتاب يتسم بشيء من النزاهة، لأن الغرض منه كان وصف الواقع كما هو للقيام بدراسات مستقبلية للهيمنة على الجميع.
ومنهم من كان يكتب في مذكراته، والتي تكتسي مصداقية خاصة، كما هو شأن الماريشال ليوطي بالخصوص، هذا الذي كانت له شهادات قاطعة لفائدة الشيخ بوعمامة، حينما كان يبعث برسائله إلى أخته أو إلى مسؤوليه بمختلف درجاتهم. ومنهم من كتبوا عنه بعد تلك الفترة وهم كثر أيضا، أذكر منهم كاتبا يسمى جاك جيبير في بحث جامعي له تحت عنوان: أولاد سيدي الشيخ، أثار انتباهي أنه خصص 23 صفحة كاملة من بحثه لسرد المكتوبات بالفرنسية عن الشيخ بوعمامة لوحده...
4ـ المخزنيون:
هذه الطائفة كانت تكتب من منبر المسؤولية، وكان طبيعيا أن تكتب ما كتبت. ولا شك أن مذكرات الحجوي تأتي على رأس هذه الطائفة. ونذكر أن الحجوي وابن عبد الصادق والركينة وسواهم كانوا يمثلون المخزن على المنطقة الشرقية بكاملها، كل في منصبه. لذلك كانوا ينظرون في الشيخ أنه عدو، ليس لأنه في قناعاتهم الشخصية عدو، ولكن لأن الظروف الاستثنائية أملت عليهم تلك التصريحات عن غير قناعة. فمن جهة، كان الشيخ في صراع مرير مع فرنسا،
ومن جهة ثانية، كانت هذه الأخيرة تمارس ضغوطا بلا هواة على المخزن بسبب الرجل، ومن جهة ثالثة، كانت تعليمات قصر فاس يرسل تلو الأخرى تأتي صريحة وصارمة للتخلص من هذا الرجل الذي في حسابهم قد يجر البلاء على البلاد.، ومن جهة رابعة، كانت سياسة ليوطي الخطيرة استطاعت أن تستقطب الركينة الذي كان عاملا على الجهة الشرقية، حتى تقارب مع ليوطي، وصارا تخططان سويا للقضاء على الشيخ، كما يؤكد الماريشال في مذكراته...
كان هذه الصورة الكلية للأوضاع الرهيبة التي كتب فيها المخزنيون ما كتبوا، ولعلهم كانت لهم بعض الأعذار في ما كتبوا. غير أنهم كانت أحيانا تفلت منهم بعض الفلتات رغما عنهم في حالات صحو الضمير، توحي بما كانوا يقتنعون به في أعماقهم تجاه الرجل. ومن ذلك ما كتب الحجوي في مسألة الغدر بالحاج الطيب وإلقاء القبض عليه وإيداعه السجون...
وإلى جانب هؤلاء نذكر ما كتب الأستاذ عبد الوهاب بن منصور مؤرخ المملكة، وقد كتب كثيرا عن الشيخ بوعمامة بلا شفقة ولا رحمة، حتى صوره بما لا ينبغي أن ينعت به مسلم أخاه. وعذر المؤرخ المنصب الذي يحتل، والمنبر الذي كان يكتب منه. لذلك كان طبيعيا أن يكتب ما كتب، عن طيب خاطر أو عن إكراه. ورغم ذلك فقد كانت للرجل فقرات لفائدة الشيخ، توحي بأن جل ما كان يكتب كان عن يكتبه إكراه..
5= أتباع هذا التيار:
كان طبيعيا أن تجد هذه الكتابات رواجا داخل المغرب، بحجة أنها فصول من تاريخ المغرب. وكان طبيعيا أيضا أن تعتبر هي الكتابات هي المعتمدة رسميا في المجامع العلمية، لذلك وجدت لها أنصارا من بعض الأقلام ذات الوزن، عملت على ترسيخ تلك الصورة المعكوسة التي كونتها تلك المجموعة التي كانت تتولى سدة الحكم بالمنطقة عن الشيخ.
ولهذا السبب نجد العديد من أتباع التيارات، الذين يتقولون بما وجدوه قبلهم واعتبروه حقا، دون عناء البحث عن وجه الصواب. ونذكر من هؤلاء أقلاما ذات قيمة كالأستاذ عبد الحميد اسماعيلي والأستاذ عكاشة برحاب، وإن كان هذا الأخير تراجع بعض الشيء في كتاباته الأخيرة وغيرهم كثير.
ثالثا: المنصفون:
هذه الطائفة تعتبر ذات مصداقية خاصة، لأنها كتبت ما كتبت عن قناعة ضد التيار التي كانت تسبح فيه. ويمكن تقسيمهم إلى فئتين:
6= بعض الكتاب الفرنسيين:
هناك بعض الكتاب الفرنسيين من أدلوا بشهادات صادمة عن الشيخ بوعمامة، تضرب عرض الحائط جميع ما كتبه بنو جلتهم. وكما سبق أن اشرت، هناك بعض الرسائل للماريشال التي أبان فيها عن علو كعب الشيخ، واستحالة إلقاء القبض عليه، وأنه خصم يستحيل استمالته أو إغرائه، وسنأتي على فقرات من ذلك في حينها. وللتذكير فقد اقتطفت من كتاباته عشرات الاستدلالات في الكتاب الأول للشيخ بوعمامة لمن أراد أن يعود إليها...
وهناك شهادات أخرى من هذا الكاتب أو ذاك غالبا ما تأتي كفلتات في سياق الكتابات المعتادة. وتكتسي هذه الشهادات مصداقية خاصة، بالنظر لكونها تأتي من قبيل: وشهد شاهد من أهلها....
7= بعض المغربة المنصفين:
وهنا نأتي للطائفة ذات المصداقية العليا، وهي طائفة الأقلام المغربية المنصفة، تلك التي تنتمي للهيئات العلمية الرسمية العليا، كالأكاديميات، ومع ذلك نسفت جميع ما كتبه المغاربة سابقا بشهادات صادمة. وبلا شك يأتي على رأس هذه الطائفة المرحوم الدكتور عبد الهادي التازي، عضو الأكاديمية المغربية،
الذي كتب شهادة في غاية الروعة، أفرزت ما يكنه الضمير المغربي الحي عن هذا الشيخ الجليل، رامية عرض الحائط جميع ما تم تلفيقه في حقه زورا وبهتانا. هذا الرجل اعتمدت على شهادته في بعض كتبي، وقد أدرجت مقالاته تقريبا بكاملها في أحد كتبي نظرا لما لها من الوقع والصدق والمصداقية الخاصة. وستكون لها عودة مطولة في حينها إن شاء الله.
وإلى جانب هذا الرجل، هناك شهادة أخرى من الأستاذ العماري لا تخلو من أهمية ومصداقية، قد نأتي عليها أيضا...
وخلاصة القول:
إن هذا التنوع في الكتابات عن الشيخ كان وراء التعدد في المواقف حوله...
ـ فأما الأشقاء الجزائريون فلا خوف عليه ولا منهم في هذا الموضوع، لأنه بالنسبة لهم أمر محسوم.
ـ وأما أتباع الشيخ ومحبوه فالمسألة أكثر من محسومة، لأن حب الشيخ جزء من كيانهم وعقيدتهم..
ـ وأما أتباع ما كتب المغرضون، فلا لا عذر لهم في الواقع، لأن عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة بأنفسهم بدل أن يظلوا رهناء ما كتب المغرضون قبلهم في ظروفهم الخاصة.
ـ وأما عموم الناس الذين لم يكتب لهم لا معايشة ومعاشرة الشيخ ليتعرفوا على حقيقته، ولم تكتب لهم بعد القيام بالزيارة الميدانية لزاويته والتعرف على وارث سره، وخليفته على الطريقة من بعده، ولم يكتب لهم أن يطلعوا على الكتابات المنصفة في حق الرجل...
فإلى هؤلاء نقدم هذه السلسلة لتسليط الضوء على الموضوع، كما ندعوهم للقيام بزيارات ميدانية لزاوية الشيخ بوعمامة الكائنة حاليا بضواحي عين بني مطهر بإقليم جرادة بالمملكة المغربية...
وأخيرا أقول،
هذا التشعب والتعدد في الكتابات والمواقف، هو الذي أدى في النهاية إلى تعدد وجهات النظر في هذا الموضوع الهام. وعليه، فالحقيقة واضحة وضوح الشمس في اليوم الصائف...
فما شاء .. ومن شاء.. ولله الأمر من قبل ومن بعد...
أخوكم احمد حاكمي
05 -06 - 2021