( الحلقة الثالثة عشر من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

( الحلقة الثالثة عشر من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحابته أجمعين

أحبابنا الكرام جميعا، أحييكم بتحية الإسلام المباركة الطيبة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لعلمكم فإن ( هذا التحرير كان في يوم في ذكرى) وفاة هذا الشيخ الجليل، حيث وافته المنية راضيا مرضيا ليلة العاشر من رمضان 1326، الموافق 8 أكتوبر 1908 بالقرب من مدينة العيون الشرقية بناحية وجدة. وسيكون لنا حديث في الموضوع في حينه، لما نصل إلى حدث وفاته في الحصص القادمة إن شاء الله...

أما اليوم فنواصل الحديث عن البذرة الأولى لفترة الاستقرار الأول للشيخ بقرية مغرار في منتصف سبعينات القرن التاسع عشر..

قلنا في الحصة الماضية أنه بعدما لازم الشيخ بوعمامة شيخه السيد محمد بن عبد الرحمان بالخدمة المتوالية للزاوية خفية بمعية زوجته بصدق وإخلاص كاملين، وكان رضاء الشيخ وعطفه عليه كاملين، سواء بالدعاء القلبي المبارك الذي ذكرنا، أو بالكثير من المعاملات الجيدة معه والإشارات الأخرى، كان أن فتح الله عليه فأجازه شيخه هذا، وأذن له أن يفتح زاوية خاصة به...

وكان من قبيل الصدف، أن جاء بعض ساكنة قرية مغرار لزيارة ضريح جدهم سيدي سليمان بن أبي سماحة ببني ونيف. ولما علموا بإجازة الشيخ محمد بن عبد الرحمان للشيخ بوعمامة ومباركته له والإذن له بتأسيس الزاوية، اجتمعوا حوله وطلبوا منه بإلحاح أن يرافقهم إلى مغرار ليستقر بينهم. وللتذكير فقد سبقت له قبل ذلك زيارات للقرية، نظرا لما فيها من الآثار التابعة لسيدي الشيخ بما فيها بقية لإحدى زواياه، إلى جانب ضريح جده سيدي براهيم بن التاج الذي يوجد على مقربة...

ولما أذن له والده في ذلك، وافق على الانتقال إلى عين المكان. فما إن بلغ حتى بدأت القبائل تتوافد عليه من كل جهة، ترحيبا به معبرين بكل أنواع الفرح والابتهاج، مع الأمل العريض على أن يفتح الله به عليهم مما كانوا يعانون منه من غطرسة ومكائد الاستعمار...

قلنا سابقا أن الشيخ بوعمامة كان يتابع ما كان يجري في الساحة من صراع بين فرنسا وبين عمومته زعماء الفصيل الشرقي. وكان وهو لا يزال شابا يتطلع أن يصير يوما ما قائد ثورة ضد الكافر في ساحة الجهاد. ولكن هذا الحلم كان يراه بعيد المنال لعدة أسباب:

ـ إن الجهاد كان يجري على أرض الجوار، التي كانت آنذاك تنتمي إلى إيالة المستعمر بحكم القوة.. ـ إن تكوين الجيش يتطلب نصرة واسعة من طرف القبائل، وهو لم يكن يعرف بعد ما هي مواقف قبائل تلك النواحي من الجهاد، مع

العلم أن المستعمر كان قد توغل داخل القبائل إلى حد بعيد...


ـ إن قيادة الجهاد تتطلب تجربة، وبالخصوص تتطلب أن يكتسب الثقة لدى القبائل لتبايعه صادقة على الجهاد. وكان الرجل إلى حينه غير متأكد من هذا الأمر...

ـ وكان يرى عائقا آخر، يخشى أن يؤدي ظهوره إلى ردود فعل سلبية من بني عمومته الذين كانت ثورتهم على وشك النهاية، بقدر ما كان يخشى أن يؤدي ظهوره للاختلاف بين القبائل في نصرة هذا الفريق أو ذاك، مما قد يؤدي إلى صراع داخلي لا ينبغي أن يقع. فقد كان يرى أن أهم أسباب النصر هي صفاء القلوب ووحدة الصف والصدق في الجهاد...

ـ وكان من بعد نظره، أنه كان يخشى أن ينتهي الحماس بسرعة، وتنصرف الناس إلى حالهم، ويبقى في الواجهة مع القلة الصادقة يصعب عليهم الاستمرار.

ـ وكان من عمق إيمان الرجل، أنه لا ولن يستسلم يوما ما للعدو، مهما كانت الظروف، لذلك كان يركز جيدا على الأخذ بالأسباب..


ـ ومن هواجسه الكبرى، أنه كان يفكر بعمق في طرق التموين، سواء بالمال أو السلاح أو بالرجال.

ـ ومن الهواجس ذات الأهمية التي كانت تشغله حالة اندلاع الثورة، كيف يمكنه حماية الزاوية، التي كانت تسمى السمالة، لأن جيشه مهما بلغ، فلن يكون العدد كافيا لحماية السمالة وتتبع خطوات العدو في نفس الوقت...

ـ غير أن ما كان يجري في عروق الرجل من دم الاستشهاد، وما كانت تفرضه عليه فطرته، ويلزمه مبلغه الشرعي بفرضية الجهاد، كان أقوى من جميع هذه المعيقات...

ـ أضف إلى ذلك ما كان يراه من حماس منقطع النظير لدى القبائل التي كانت تأتيه تباعا، وتبايعه على الجهاد، زاد من عزيمته، وقرر أن يلبي النداء، ولكن على أن يترث إلى أن تتوفر أدنى شروط المقاومة. وكان أن ظل على حاله يكون الرجال، ويسبر الأمور، ويواصل الاستعداد لما يزيد عن ست سنوات كاملة، قبل أن يفرض عليه انطلاق الجهاد في النهاية قبل أوانه كما سنرى في الحلقة القادمة إن شاء الله، فتابعونا مشكورين ومأجورين إن شاء الله تعالى..

أخوكم أحمد

03 - 06 -2021

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004