( الحلقة الثانية عشر من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

( الحلقة الثانية عشر من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحابته أجمعين

تحياتي العطرة لجميع الأحباب المتابعين لهذه المقالات التي تتعلق بالشيخ بوعمامة، من حفدة ومريدين ومحبين ومن جميع أطياف المجتمع...

نواصل مقالاتنا المباركة المتعلقة بالتعريف بالشيخ بوعمامة، التي نريد من ورائها عرض الحقيقة كل الحقيقة عن هوية وشخصية هذا الرجل، ليزداد المحب بها تصديقا، ويصحح الضال بها الطريق، وتقوم كحجة على المعاندين الذين يغشي قلوبهم الران...

عرفنا في الحصة الماضية بأول مشايخ الشيخ بوعمامة، والذي لم يكتب له أن يلازمه للظروف التي كانت متباينة بينهما كثيرا.
ولكنه مع ذلك أخذ عنه ما كان ينبغي أن يأخذ، في انتظار أن يجد الشيخ الذي عليه أن يلازم لتنفجر الطاقات ويتضح المسار...


لعلم الأحباب أن ضريح جده سيدي سليمان بن أبي سماحة العلامة الشهير يوجد على مقربة من فجيج، على مسافة أقل من عشر كيلومترات. كان المقد القيم على ضريح هذا الولي الصالح، شخص يدعى سيدي محمد بن عبد الرحمان، أصله من قبيلة أولاد سيدي الشيخ من فصيل أولاد سيدي بن عيسى أحد أولاد سيدي الشيخ. وللتذكير فإن ضريح سيدي بن عيسى هذا يوجد بمدينة فجيج، الأمر الذي جعل أكثر أولاد سيدي بن عيسى الكرام ينتمون إلى مدينة فجيج...

هذا الرجل، وأعني سيدي محمد بن عبد الرحمان، كان بدوره رجلا صالحا بامتياز. وقد أفرد له الأستاذ الفاضل السيد عبد الله طواهرية كتابا نفيسا للتعريف به، نستقي منه بعض المعلومات التي أقدم لكم في هذا الموضوع...

وقبل أن نتطرق إلى العلاقة التي كانت قائمة بين الشيخ بوعمامة وهذا الشيخ الجليل، استسمحكم بتقديم بعض النفائس عن هذا الرجل، أوردتها في الكتاب الثالث للشيخ بوعمامة الذي كان تحت عنوان: الشيخ بوعمامة التربية وتصحيح المسار، ألتقط لكم منه ما يلي مع شيء من التصرف:


شيوخ الشيخ بوعمامة

هذه النقطة بالذات في غاية الأهمية، لأنها تبين الشيوخ الذين تلقى عنهم الشيخ بوعمامة وتربى على أيديهم، كما تبين كيف وصبت مشيخة الطريقة إلى الشيخ بوعمامة. وباختصار فعند التحقيق يتبين أن الشيخ بوعمامة كان له في مجال التربية عدة شيوخ، أما الطريقة الشيخية فقد تلقاها عن شيخين، دون احتساب الشيوخ الآخرين الذين تلقى عنهم الأبجديات ومختلف أنواع العلوم الأخرى...

أولا: الشيخ حمزة بن بوبكر الملقب بالصبيعات:

ثانيا: الشيخ محمد بن عبد الرحمان قيم ضريح سيدي سليمان بن بوسماحة

أولا: الشيخ حمزة بالصبيعات

سبق الحديث عن هذا الرجل باختصار. غير أن ما هو ثابت أنه لم يلازمه لفارق السن وتباين الظروف بينهما. فبينما كانت الشيخ حمزة بن بوبكر في صراع مع المحتل الفرنسي في التراب الجزائري، كان الشيخ بوعمامة لا زال فتى لم يتحدد مساره بعد. وتشير الرواية الموثوقة المتواترة، أن الشيخ حمزة بينما كان في طريقه على مقربة من مدينة فجيج،

أرسل بمن يأتيه بالفتى محمد بن العربي الذي سيحمل في ما بعد لقب بوعمامة. وتحكي الرواية أن السيد حمزة هذا، أشار في ما أشار حينها إلى المستقبل الكبير الذي ينتظر الطفل. كما تحكي الرواية أنه مرر له الأمانة حينذاك بأمر رباني خصوصا وأنه كان يعلم صعوبة التلاقي به مرة أخرى، بسبب ما ذكرنا من خوة واسعة بينهما في الظروف...

ولتأكيد هذه القضية، نشير إلى مسألة مماثلة، وهي كون الثابت عن الإمام حسن البصري رضي الله عنه، أنه تلقى الأمانة عن الإمام علي وهو لا زال صبيا في لقاء واحد دار بينهما، ولم يثبت أنه التقى به مرة أخرى، لكون الإمام علي قد التحق بالرفيق الأعلى والحسن البصري لا زال صغيرا..

ثانيا: الشيخ محمد بن عبد الرحمان:

حول هذا الشيخ هناك كلام كبير، ولا أظن أن يعرفه الشخص بعض المعرفة ما لم يقرأ ما كتب عنه الأستاذ الفاضل السيد عبد الله طواهرية في كتاب له بعنوان: فيوض العرفان. وأظن أن هذا الكتاب من أحسن ما كتب أستاذنا الفاضل عبد الله طواهرية مشكورا...

وفي السطور القادمة سأعتمد عليه للتعريف بالرجل..

ـ يحكي الأستاذ صاحب المؤلف بكل ثقة ويقين، أن الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمان كان على صلة مستمرة بأجداده جميعا، خصوصا منهم سيدي سليمان بن بوسماحة وسيدي الشيخ، إلى جانب الشيخ عيسى بن طالب. وقد كان الشيخ قيما على ضريح جده سيدي سليمان بن بوسماحة الكائن ببني ونيف.

ويذكر أن الشيخن المذكورين كانا يشرفان مباشرة على تربيته وتوجيهه وإرشاده المباشر بكيفية القيام بمصالحه اليومية. بل كانا يوجهانه حتى في كيفية الإنفاق وتعيين خواص الضيوف الذين عليه أن يعتني بهم عناية خاصة، ونوعية الإكرام الذي عليه أن يقدم لهم. كما كانا يقفان إلى جانبه أثناء الأزمات، ويرشدانه إلى كيفية التصرف في كل نازلة...

خلاصة الكلام، أن هذا الرجل، وأعني به السيد محمد بن عبد الرحمان، كان جد محظوظ وجد مساند مباشرة من طرف أسلافه الميامين.

ولا شك أن مثل هذه المكارم التي كانت تظهر عليه من شأنها أن تشعل فتيل الحقد والحسد من قرابته والمحيطين به وبضريح جده سيدي سليمان بن أبي سماحة الذي كان في خدمته. وهذا ما تطرق له بشيء من التفصيل صاحب الكتاب المذكور. ولمن أراد يتوسع في الموضوع، فليعد إلى قراءة الصفحات التي اخترتها من الكتاب المذكور في الملحق.


كان الرجل إماما وخطيبا ملما بعلوم الشريعة، حافظا لكتاب الله، وكان معلما القرآن الكريم للأطفال،

ـ ومن مكارم الرجل ما ورد أنه كان يلتقى بسيدنا رسول الله أكثر من مرة بواسطة أشياخه الكرام. وجميل أن أنقل هذه العبارة

الربانية التي وردت على لسانه إخبارا عن حديث لسيدنا رسول الله مشافهة، يقول:


"ونطق لنا سيدنا ومولانا محمدا صلى الله عليه وسلم: حجوا فإني أتيتكم لتحجوا على قدر محبتكم في أسلافكم، وهذا من رضاء الله وأسلافكم عليكم، إن اتبعتم طريقهم وفعلتم بكلامهم الذي يقولون لكم لا نخطيكم أبدا، الناس يقدمون إلي وأنا آتيكم".. ص62.

ـ أما في صفحة 45 فيحكي بكل وضوح كيف كان سيدي عبد القادر بن محمد يربيه مباشرة قائلا: "كان يربيني كما يربي العالم الصبي

الحروف، ويقول لي: إن لم تتبع طريقنا سنتركك كما تركنا أصحابك، فنحن لا نقبل إلا من اتبع الطريق المحمدية، هو لنا ونحن له ومن بدل وغير تركناه"...

ـ وفي ص 51 نقل عن سيدي الشيخ قوله:

"والله من لا يتبع طريقنا إلا جيحناه وعريناه ومن باب الخير حرمناه، ومن تبع طريقنا أعطيناه وأغنيناه وفي باب الخير أدخلناه، أنت وغيرك وجميع من ينتسب إلينا"..

وكان يستدل على ذلك ببعض الآثار منها ما رواه ابن عساكر أن رسول الله قال يوم قتل سيدنا جعفر: لقد مر بي الليلة جعفر يقتفي نفرا من الملائكة له جناح ﻣﺘﺨﻀﺒﺔ ﻗﻮﺍﺩﻣﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﺪﻡ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺑﻴﺸة، ﺑﻠﺪةﹰ ﺑﺎﻟﻴﻤﻦ...

وفي إحدى زيارات الشيخ بوعمامة لضريح وزاوية سيدي سليمان بن أبي سماحة برفقة زوجته وبنت عمه السيد المنور، استقبلهم الشيخ المذكور بحفاوة كبية واهتمام بالغ. ولما أذن لهم بالانصراف، ولما عادا، أشارت له زوجته الفاضلة السيد ربيعة، بحكم وضعها كامرأة مكلفة بزاوية، أن أهل الزاوية يعانون بشدة من قلة الحطب، لأن حركة الضيوف كبيرة واليد العاملة التي توفر المتطلب من الحطب شبه منعدمة. فسألها ما العمل، قالت، إن رأيت أن نجلب لهم بعض الحطب، فاستحسن الشيخ رأيها كثيرا. وذات يوم عمدا إلى الغابة، وجمعا ما استطاعا حمله على ظهورهما، وأتيا به خلسة ليلا وطرحاه في باب الزاوية..

وفي الصباح وجد شيخ الزاوية الحطب أمام الباب فسأل عن الشخص الذي أتى به، فلم يجبه أحد، فعلم أن صاحب العمل يريد الإسرار به. ويذكر المخطوط بأنه دعاء بالدعاء التالي: يا من أتيتني بالحط، الله ينجيك من الغضب...

وظل الشيخ بوعمامة وزوجته يقومان بهذا العمل النبيل ردحا من الزمان، خدمة للشيخ وزاوية جده سيدي سليمان بن أبي سماحة، حتى انكشف أمره، بارك له شيخه على حسن صنيعه وأذن له أن يتخذ لنفسه زاوية خاصة، فكانت الإشارة التي سيلتحق على إثرها بقرية مغرار كما أسلفنا، وتنطلق مسيرته المظفرة كما سياـي إن شاء الله...


يبدو أن هذه الخدمة التي كان يقوم بها للزاوية، وذاك الدعاء والإذن الذي تلقاه من شيخه كما أسفلنا، كان وراء تعلق الشيخ بوعمامة بشكل خاص بسيدي سليمان بن أبي سماحة، حتى ورد في رسالة في حوزتنا، أنه كان يكاتبه مباشرة وكأنه يخاطب شخصا على قيد الحياة...

نكتفي هنا بهذا القدر، وفي الحصص القادمة إن شاء الله، سنواصل سرد الحقائق الثابتة عن هذا الشيخ الهمام، لعلنا نرد له بعض الاعتبار، على خلاف ما يتم الترويج له من قبل بعض المغرضين زورا وبهتانا...

أخوكم أحمد حاكمي...

01 - 06 -2021

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004