( الحلقة الحادية عشر من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

( الحلقة الحادية عشر من سلسلة الشيخ سيدي بوعمامة )

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحابته أجمعين

أحبابنا الكرام، من محبين للشيخ بوعمامة صاحب الترجمة ومعجبين به، ومن متابعين ومترددين في موضوعه، أحييكم جميعا بتحية الإسلام المباركة الطيبة، وبعد...

نواصل سلسلة عرض الحقيقة كاملة عن هذا الرجل، هذا الذي ظلمه التاريخ، وأغفله العديد من بني جلدته، بل وظلمه الكثير منهم دون تبين ولا بحث عن الحقيقة، لا لشيء، إلا لمجرد الانجراف مع التيارات حيث دارت. وهذا التصرف لا يقبله المنطق السليم، خصوصا بالنسبة للمثقفين في عصرنا الحاضر، الذين صارت المعلومة أقرب ما يكون إليهم بدون تعب، بجميع وسائل الاطلاع التي صارت متاحة للجميع على حد سواء...

إن الشخص اليوم، صار بمقدوره أن يطلع على جميع ما يحلو له بمجرد الضغط على زر. كما يمكنه أن يسأل مغاوير البحث، مثل غوغل وأمثاله، عن أي معلومة يريد فلا يبخل عليه بها على الفور. فإنسان اليوم ليس معذورا بجهله، لا منطقا ولا شرعا ولا قانونا، ما دامت وسائل المعرفة متاحة بجميع مصارعها. ألم يقل حبيبنا في الحديث القدسي على لسان الحق سبحانه: سأبث العلم حتى يعلمه الصغير والكبير، والمرأة والرجل، والعبد والحر... (للحديث بقية)..

وفي صدد نشر المعلومة ووضعها رهن إشارة الجميع، نقوم في هذا المنبر المبارك بتنوير فكر جميع متابعي هذه الصفحة، بإدراج الحقيقة كل الحقيقة عن هذا الرجل العظيم حتى لا نغبطه حقه، ونرد له بعض الاعتبار.

ولعلمكم، فقد كانت المبادرة الملكية المباركة هامة في رد الاعتبار لهذا الرجل، حينما تم تخصيص ميزانية خاصة من القصر الملكي، تم بها بناء مجمع الشيخ بوعمامة بمدينة العيون الشرقية، بما في ذلك إعادة ترميم ضريحه بمرافقه، وبناء مسجد معلمة في رحابه يحمل اسمه...

في حصتنا لهذا اليوم، سنتحدث عن بعض شيوخه الذين أخذ عنهم التلقين، بصرف النظر عن شيوخه المباشرين من محيطه الخاص كوالده وعمه. وسنركز على شيخين كان لهما الأثر البالغ في حياته، خصوصا الثاني منهما الذي سنتناوله في الحصة القادمة، هذا الذي لازمه لبعض الوقت، وخدمه خير ما يخدم مريد شيخه...

ـ الأول:

في وقت كان الشيخ بوعمامة لا زال حدثا لم يتجاوز العاشرة بعد، كان السيد حمزة بن بوبكر، زعيم فصيل أولاد سيدي الشيخ الشراقة آنذاك، وكان حينها أمينا على الطريقة الشيخية، فقدر له أن يمر في أحد رحلاته بالمنطقة في وفد خاص من حاشيته، على مقربة من مدينة فجيج. ولما اقترب من المنطقة، أرسل على وجه السرعة أحد الأشخاص على فرس إلى السيد المنور عم الشيخ بوعمامة برسالة شفوية يقول فيها:

إذا بلغتك رسالتي فأقدم عندي ببني ونيف، واتني بالغلام محمد ابن أخيك السيد العربي...

ولما أخذ السيد المنور الاذن من أخيه السيد العربي، أخذ الغلام في رفقته وتوجه في وفد إلى مكان الموعد. يحكي المخطوط، أنهم ما إن اقتربوا من المكان، حتى خرج السيد حمزة لملاقاتهم سيرا على الأقدام. ولما التقى الجمعان تعانقوا بحرارة جميعا، وأخذ بهم إلى مقر كان معدا للضيافة فأكرم وفادتهم. ولما أتموا تناول الوجبة، خلا السيد حمزة بالسيد المنور والغلام بوعمامة، فأسر لهذا الأخير ما أسر، وطلب منه أن يفعل خيرا بخلفه في قادم الأيام. ولما أذن لهم بالانصراف، قدم للسيد بوعمامة هدية ثمينة، كرمز للمحبة والتقدير، وكرر له الوصية أن يفعل بأولاده خيرا...

ومرت الأيام، وبعد سنوات خمس طوال تمر، صادف أن عاد السيد حمزة على مقربة من نفس المنطقة. وكان قد أرسل بعض أصحابه لاستطلاع المنطقة. ولما عادوا سألهم عن الخبر، فقالوا:

لم نجد بالمنطقة إلا شابا يقال له بوعمامة، قال إنه يبحث عن ناقة ضلت لعمه السيد المنور...

تقول الرواية الشفوية، أنه لما سمع منهم ما سمع، أمر أحد حراسه أن يسرع نحو الرجل على فرس جيدة، يسلمها له ويأمره أن يلتحق على الفور بعرين السيد حمزة. فلما بلغ الشاب إلى أعتاب الشيخ، فرح به فرحا كبيرا، وتلقاه بحفاوة خاصة، وأسر له ما أسر، ودعا له بالخير، وأبان له عن الوجهة التي سيجد فيها ناقته...

ولما انصرف بدأ الحديث بين الحضور حول من صاحب الأمانة من أولاد سيدي الشيخ بحاضرة فجيج. فكان أن أجمعت الأغلبية على أن السيد المنور هو صاحب الأمانة. فتوجه لهم الشيخ حمزة بالقول:

ما تعرفوش من هو صاحب الأمانة، هل هو السيد المنور ولا لي على الناقة يدور...

وهكذا تم تلقين الشيخ بوعمامة التلقين الأول من طرف الشيخ حمزة بن بوبكر، أو بن بكار كما يطلق عليه، وكان لا زال غلاما في المرة الأولى، وشابا في المرة الثانية، في إشارة واضحة إلى تسلمه مقاليد الطريقة الشيخية، التي سيكون له معها شأن وأي شأن...

وأما ما كان من شأن وصية السيد حمزة للشيخ بوعمامة بخلفه خيرا كما أسلفنا، فقد وقع ذلك بالفعل، إذ سرعان ما انطلقت ثورة الشيخ بوعمامة، وكان حينها على رأس فصيل الشراقة السيد قدور أحد أبناء الشيخ حمزة. وكان أن تبادل الرجلان المكاتبة والزيارة. وكان الشيخ بوعمامة في كل مرة يبدي من الاحترام والتقدير للسيد قدور بن حمزة ما يتوافق مع العمل بوصية شيخه، وكان يتجاوز عن أي وجه من الخلاف مهما كان، إذا ما وقع، تقديرا منه لابن عمه وابن شيخه السيد قدور بن حمزة الذي كان يكبره سنا وتجربة ويكثره أتباعا...

كان هذا ملخص تلقي الشيخ بوعمامة عن شيخه سيدي حمزة بن بوبكر، الملقب بالصبيعات، دفين الجزائر العاصمة، تلقيه الإذن في الطريقة الشيخية. وسنأتي في الحصة القادمة بشيء من التفصيل إن شاء الله، بالحديث عن شيخه الثاني الذي تلقى عنه في ما بعد، وكان من أهم محطات حياته الروحية، فتابعونا مشكورين ومأجورين إن شاء الله...

أقول ماجورين، لأن القاعدة عند القوم تقول: عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمات، فكيف بمن أحبهم، وكيف بمن عمل على إحياء ذكراهم...

أخوكم أحمد حاكمي

تاريخ النشر

31-05-2021

موقع الطريقة الشيخية الشاذلية ( طريقة أسلاف بيضاء نقية )

Mise en ligne le 15/11/2004. Tariqa-Cheikhiyya© 2004